في الفترة الأخيرة، انتشرت العدات الجزئية (Partial Reps)، أو ما يُسمى بالنصف عدة، على أنها أفضل من العدات الكاملة وبفارق كبير. لكن هل هذا الأمر صحيح فعلاً أم مجرد خرافات؟ تابع معي لتتعرف على الإجابة.
لماذا العدات الجزئية؟
العدة الجزئية هي عدم النزول والطلوع الكاملين، بل يكون المدى الحركي جزئيًا، أو كما يُسمى في النوادي “نصف عدة”. غالبًا ما يكون النزول والصعود بسرعة ومن دون تحكم. أما المدى الحركي الكامل فيشمل نزولاً وصعوداً كاملاً بسرعة متوسطة وتحكم أفضل. المتدربون الذين يدعمون العدات الجزئية غالبًا ما تكون تبريراتهم كالتالي:
- العدات الجزئية تساعدك بحمل أوزان أثقل، فبناء عضلي أفضل.
- العدات الجزئية تساعدك بوضع العضلة تحت ضغط طوال الجلسة.
- العدات الجزئية تعتبر آمنة أكثر من العدات الكاملة.
- أغلب المحترفين، ومن لديهم كتلة عضلية كبيرة، كانوا يقومون بنصف عدة.
أسباب منطقية جدًا، ولكن نحتاج أولاً إلى نقضها بالعلم:
1. وزن أكثر يعني بناء عضلي أكبر
هذا الأمر صحيح، لكن عندما يكون الأداء صحيحًا، لأن الحجم التدريبي، الذي يُعتبر أهم عامل في بناء العضلات، يتم قياسه عن طريق:
- الوزن X التكرارات X المجموعات X المسافة= الحجم التدريبي.
المسافة هي ما يجهله الكثير من المتدربين، فيبالغون في زيادة الأوزان، مما يزيد من احتمالية تعرضهم للإصابة، بينما الحجم التدريبي في الأصل أقل. مثال على ذلك في تمرين البنش بريس:
- عدة كاملة: 100 كيلو X تكرارات 10 X مجموعات 4 X عدة كاملة= 4000
- نصف عدة: 160 كيلو X تكرارات 10 X مجموعات 4 X نصف عدة = 3200
فنرى هنا أن الحجم التدريبي أقل في النصف عدة، على الرغم من أن الوزن في النصف عدة أعلى ب60 كيلو مقارنة بالعدة الكاملة!
مشكلة ثانية عند القيام بالعدات الجزئية هي أنك لا تستطيع قياس تطورك بشكل صحيح. كما ذكرت في عدة مقالات سابقة، فإن الزيادة التدريجية تُعتبر من أهم العوامل لبناء العضلات، وهي عبارة عن زيادة الأوزان أو التكرارات أو المجموعات بين أسبوع وآخر. فكلنا نعلم أن القيام بنصف عدة ليس ثابتًا؛ قصدي ببساطة: أحيانًا تقوم بنصف نزول أو ربع نزول، وهكذا.
هنا ستواجه مشكلة أخرى، وهي أنه عندما تأتي في الأسبوع التالي وترغب في التقدم عن الأسبوع الماضي، قد تقوم بأداء أسوأ بهدف التطور. وهذا ما نسميه “التطور الزائف”، لأنك لم تتطور فعليًا، بل قللت المدى الحركي في كل التكرارات لزيادة الوزن، مما قد يؤدي إلى الحصول على نفس النتائج أو حتى نتائج أسوأ.
مثال عملي: في الأسبوع الأول قمت بأداء تمرين البنش بريس بوزن 100 كيلوغرام لـ 10 تكرارات بمدى حركي ناقص. في الأسبوع الثاني، تريد التطور عن هذا الرقم سواء بزيادة الأوزان أو التكرارات. لكن المشكلة هي أن المدى الحركي في الأسبوع الأول كان ناقص وغير ثابت، فتأتي في الأسبوع الثاني وتزيد الوزن أو التكرار وتخطئ مرة ثانية في الأداء. قد تقوم بأداء 105 كيلوغرامات في تمرين البنش بريس لـ 10 تكرارات، لكن المدى الحركي يكون ربع عدة وليس نصف عدة مثل الأسبوع الماضي. في هذه الحالة، لم تتطور، وتستمر في هذه الدوامة.
أما إذا كان المدى الحركي كاملاً في جميع العدات، فستتمكن عند التطور بين أسبوع وآخر من التأكد أن قوتك وعضلاتك تزداد، لأن المدى الحركي ثابت.
2. العدات الجزئية تضع العضلة تحت ضغط أطول
هذا الأمر قد يكون صحيحًا إلى حدٍ ما، ولكن في تمارين العزل بالأوزان الحرة وليس في التمارين المركبة. ففي هذه التمارين، يمكنك تجنب القيام بأقصى انقباض أو أقصى انبساط.
في بعض تمارين العزل الحرة التي تستهدف عضلة واحدة ومفصلًا واحدًا، تستطيع عدم الوصول لأقصى إنقباض الذي قد يؤدي إلى عدم تفعيل العضلة بشكل كامل. على سبيل المثال، في تمرين التفتيح بالدمبل للصدر، يمكنك عدم الوصول لأعلى إنقباض (عندما تلامس الدمبل بعضها البعض)، والاكتفاء بالوصول بالدمبل إلى مستوى أكتافك. وكذلك في تمرين الرفرفة الجانبي بالدمبل للكتف الجانبي، يمكنك تجنب النزول للنهاية لتفادي عزل العضلة، بل تنزل قبل النهاية بقليل.
لكن في الأجهزة والكوابل، لا تحتاج إلى القيام بذلك لأن المقاومة والضغط يكونان مستمرين. لذا، من الأفضل أن تقوم بمدى حركي كامل. من ناحية الدراسات، أثبتت معظمها أن المدى الحركي الكامل أفضل، بينما دراسة واحدة فقط لم تجد فرقًا.
دراسة في عام 2013 بتمرين السكوات، شملت 17 شخصًا تم تقسيمهم إلى مجموعتين. المجموعة الأولى قامت بتمرين بمدى حركي كامل (من 0 إلى 120 درجة)، بينما المجموعة الثانية قامت بنزول جزئي (من 0 إلى 60 درجة). استخدم أفراد المجموعة التي قامت بمدى حركي غير كامل وزنًا أعلى، ولكن على الرغم من ذلك، حققت المجموعة التي قامت بمدى حركي كامل بناءً عضليًا أفضل في عضلة الرجل الأمامية.
مراجعة تلوية في عام 2021 على 16 دراسة قارنت بين المدى الحركي الكامل والمدى الحركي الجزئي. كانت النتيجة أن المدى الحركي الكامل ساعد في زيادة القوة والحجم العضلي مقارنةً بالمدى الحركي الجزئي.
حسب رأيي، يجب أن تركز على القيام بمدى حركي كامل في معظم تمارينك. أما في تمارين العزل بالأوزان الحرة التي لا يتم تفعيل العضلة فيها بشكل كامل في جزء من المدى الحركي، فيمكنك تجنب القيام بهذا الجزء، مثل ما ذكرت في الأمثلة أعلاه.
3. العدات الجزئية آمنة أكثر
بعض المتدربين يقولون إنه عند النزول الكامل، تزداد احتمالية الإصابة وألم المفاصل. لكن هذا الأمر غير صحيح، لأنك عندما تهتم بالأداء بالطريقة الصحيحة، ستقلل من أوزانك وتركز على الأداء، مما سيقلل من فرصة الإصابة ويساعدك في تقوية مفاصلك وليس العكس. أما إذا قمت بوضع أوزان ثقيلة وقمت في نصف نزول، فهذا سيزيد من فرصة إصابتك ويسبب لك ألمًا في المفاصل.
قصة عملية حدثت معي هي أن شخصًا في الجيم كان يعاني من ألم في كتفه أثناء أداء تمرين البنش بريس وكان أداؤه خاطئًا. أخبرته أنه يجب عليه القيام بنزول وطلوع كامل وبتحكم، دون الحاجة إلى وضع وزن ثقيل لا يستطيع التحكم به. بعد أن طبق نصيحتي واستمر عليها، اختفى ألم كتفه، والآن هو يشكرني في كل مرة ألتقي به.
4. المحترفين لا يهتمون بالأداء الصحيح
آخر سبب هو أن بعض المحترفين لا يهتمون بالأداء الصحيح، لكن هذا لا ينطبق على جميع المحترفين. فعلى سبيل المثال، أرنولد شوارزنيجر وزميله آدي كورني وغيرهم من المحترفين كانوا يهتمون بالأداء الصحيح. كذلك، بعض المحترفين الحاليين العرب والمدربين يهتمون بالمدى الحركي الكامل، مثل: عبد الله الربيعة، عبد الله العوضي، وغيرهم.
من ناحية أخرى، لا تنسَ أن اللاعبين المحترفين الذين لا يقومون بمدى حركي كامل غالبًا ما يكونون موهوبين جينيًا، ويأخذون محسنات أداء، ويكونون ملتزمين بشكل كامل من ناحية التغذية والتمارين. أنا لا أقلل من شأنهم، لكن أريد أن أوضح لك أن هناك عوامل أخرى تساهم في تطورهم وبناء عضلاتهم. لا يمكنك تقليدهم تمامًا، لأنك في النهاية شخص طبيعي وهدفك هو تحسين نمط حياتك وشكلك.
من المهم أيضًا أن لا ننسى أن بعض هؤلاء اللاعبين تعرضوا لإصابات خطيرة بسبب المبالغة في الأوزان وإهمال المدى الحركي، مثل روني كولمان ولاري ويلز وغيرهم. وأمر آخر، لا تنسى أن الكثير من اللاعبين المحترفين يبالغون في كل شيء تقريبًا، مثل مدة التمرين التي قد تصل إلى ساعات عند بعضهم، مثلًا هادي شوبان الذي يتمرن لمدة 5 ساعات!! يبالغون أيضًا في زيادة السعرات الحرارية، وفي جرعات محسنات الأداء، وغيرها. لماذا لا ننظر إلى هذه الأمور ونقلدهم فيها؟ لأن مستوانا يختلف عن مستواهم وهدفنا يختلف عن هدفهم، صحيح؟ لذلك، في التمارين، لا يجب علينا نسخ ما يقومون به دون تفكير، فقط لأنهم يمتلكون كتلة عضلية كبيرة.
إقرأ أيضًا: ما هو المدى الحركي الكامل و أهميته
ماذا عن طريقة العدات الجزئية الحالية؟
تنتشر حاليًا طريقة العدات الجزئية، أو ما تُسمى بالعدات الجزئية بوضعية الاستطالة (Long Length Partials)، بسبب سام سوليك وغيره من المشاهير واللاعبين الذين بدأوا بتطبيقها. هي عبارة عن أن تقوم بنزول كامل، ولكن الطلوع لا يكون كاملًا. في هذه الحالة، تضع العضلة في ضغط أثناء وضعية الانبساط (الاستطالة). على سبيل المثال، في تمرين السكوات، تقوم بنزول كامل ويكون الطلوع لنصف المسافة فقط، وليس المسافة الكاملة.
برأيي، الموضوع ما زال حديثًا ولا يمكننا التأكد أنه أفضل ويستحق تبديل المدى الحركي الكامل. عدد الدراسات التي قارنت بين المدى الحركي الكامل والجزئي بوضعية الاستطالة قليل، وبعضها أُجري على أشخاص غير متدربين من الأساس. لذا، ما زلنا لا نستطيع الحكم بشكل قطعي بأن العدات الجزئية بوضعية الإستطالة أفضل من المدى الحركي الكامل.
العدات الجزئية بوضعية الاستطالة لا تعني فقط القيام بنصف تكرار، بل تتطلب أداءً صحيحًا وتثبيت نقطة بداية ونهاية التكرار، تمامًا كما في العدة الكاملة. هذا يبين لنا أن المبتدئ قد يجد صعوبة في تنفيذ هذه الطريقة، لأنه لا يعرف كيفية تثبيت المدى الحركي الكامل وتحديده. فكيف يمكنه تثبيت المدى الحركي الجزئي بوضعية الاستطالة؟ إذا طبق هذه الطريقة، غالبًا ما سيكون أداؤه أسوأ بكثير مما يتوقع، وقد يعرض نفسه للإصابة بشكل أكبر.
لذلك، إذا كنت مبتدئًا وكتلتك العضلية صغيرة، فمن الأفضل أن تركز على المدى الحركي الكامل. أما إذا كنت متوسطًا أو متقدمًا وتريد تجربة العدات الجزئية بوضعية الاستطالة، يمكنك تجربتها في آخر جولة بعد أن لا تستطيع القيام بعدات بمدى حركي كامل. يمكنك تطبيق هذه الطريقة في بعض تمارين العزل، مثل تمرين البايسبس أو تمرين Leg Extension، وغيرها. قد تساعدك هذه الطريقة في وضع العضلة تحت ضغط أكبر، مما قد يعزز تطورك. لكن من المهم، كما ذكرت، أن تثبت نقطة البداية والنهاية لتجنب الوقوع في فخ التطور الزائف.
الخلاصة ورأيي الشخصي
أنا شخصيًا أحب المدى الحركي الكامل لأنه يوفر تفعيلًا ممتازًا مع أقل فرصة للتعرض للإصابات. أحيانًا، في آخر مجموعة من بعض التمارين، ألعب نصف عدات بوضعية الاستطالة، لكن ليس بشكل دائم، وأقوم بهذا الأمر فقط لكسر الروتين.
بالنسبة للمدى الحركي الجزئي المشهور في النوادي بين العديد من المتدربين الذين لا يعرفون كيفية القيام بالمدى الحركي الصحيح، فأنا لا أنصح به بتاتًا، لأنه يزيد من فرصة الإصابة ويسبب تعبًا في المفاصل والأربطة. جربت العدات الجزئية لفترة طويلة عندما كنت مبتدئًا في تمرين الديدليفت، وقد تسببت لي بألم كبير في منطقة أسفل الظهر وكادت أن تسبب لي إصابة، واستمر الألم معي لسنوات. كما أنني عانيت من ألم في الكتف خلال تمرين البنش بريس. بعد كل هذه التجارب، تعلمت أهمية المدى الحركي الكامل وطبقته في جميع تماريني. (أنصحك في قراءة مقال أشهر 5 غلطات يوقع فيها المبتدئين في الجيم!!)
في النهاية، نصيحتي هي أن تهتم بالمدى الحركي الكامل، ولا تتسرع في زيادة الوزن وإهمال الأداء. المدى الحركي الكامل يوفر تفعيلًا أكبر للعضلة، ولا يزيد من فرصة الإصابة، ولا يسبب ألمًا في المفاصل، كما يمنحك متعة أكبر في التمرين ويضع العضلة تحت ضغط لفترة أطول، مما يؤدي إلى بناء عضلي أفضل. أما المدى الحركي الجزئي بوضعية الاستطالة، فأنا لا أنصح به للمبتدئين. لكن إذا كنت متوسطًا أو متقدمًا، يمكنك تجربته في بعض التمارين، ولكن برأيي أن لا تبالغ فيه أو تستخدمه في كل الجولات وكل التمارين.