تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي أن الكيتو دايت هو أفضل نظام في العالم، ويساعدك على خسارة الوزن، وتحسين حساسية الإنسولين، وتقليل مقاومة الإنسولين، ويحميك من مرض السكري والالتهابات، ويساعدك على نزول وزنك بسرعة كبيرة. يا سلام، ما أجمل هذا الكلام، ولكن هل هذا الأمر صحيح فعلًا أم مجرد ترويج؟ تابع معي هذا المقال لنرد بشكل علمي.
ما هو الكيتو دايت؟
الكيتو دايت، أو النظام الغذائي الكيتوني، أو الكيتوجينك دايت (Ketogenic Diet)، هو نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات وعالي في الدهون، نسبة الكربوهيدرات بهذا النظام تكون حوالي 5% من إجمالي السعرات من الكربوهيدرات، أغلبها من الخضروات والأكلات الغنية بالألياف، ونسبة الدهون 70-75% من إجمالي السعرات، وبقية السعرات حوالي 20-25% من البروتين. هدف هذا النظام أنه يدخل الجسم إلى حالة تُسمى الكيتوسيس (ketosis) والقصد فيها أن الجسم يبدأ في حرق الدهون للحصول على الطاقة بدلاً من الكربوهيدرات.
يا سلام يا هادي، صحيح. بهذا النظام سنحرق الدهون وننسفها بسرعة لأنها هي مصدر الطاقة الأساسي الآن. للأسف يا صديقي، الموضوع ليس بهذه البساطة، لأن حرق الدهون واستعمالها كمصدر طاقة لا يعني خسارة الدهون. صحيح أنك في نظام الكيتو سوف تحرق دهونًا أكثر، وهذا أمر بديهي جدًا لأنك تأكل كمية دهون أعلى، ولكن من أجل أن تخسر الدهون ويتم استعمال الدهون المخزنة كمصدر طاقة، يجب أن تأكل أقل من احتياجك.
الكيتو دايت وخسارة الوزن
الكيتو دايت مشهور بأنه يساعدك في نزول وزنك بسرعة، لذلك ترى الترويج الضخم والتطبيل له. لكن الحقيقة أن النزول السريع في البداية أغلبه من الماء. السبب هو أن 1 جرام كربوهيدرات يتخزن معه 3 إلى 4 جرامات ماء، فبما أنك تقطع الكربوهيدرات فسوف تخسر الماء المخزن معها أيضًا. سترى نزولًا سريعًا على الميزان، ولكن شكلك لن يتغير لأن النزول الذي حدث أغلبه من الماء.
ملاحظة أخرى: أن الكربوهيدرات أغلبها يتم تخزينها في الكبد والعضلات، وليس تحت الجلد، لذلك خسارة الماء التي ستحدث معك لن تغير شكلك، بل فقط سترى تغييرًا في رقم الميزان. الآن لنرى ماذا رأت دراسات قارنت بين الكيتو دايت وأنظمة أخرى:
- تحليل تلوي: على 19 دراسة متنوعة كان فيها أشخاص يعانون من السمنة المفرطة وأشخاص لديهم سكري من النوع الثاني، قارنوا بين الكيتو دايت والأنظمة العادية المتوازنة، وكانت السعرات متساوية بين المجموعتين. في النتيجة، لم يكن هناك فرق بينهم في خسارة الوزن والصحة العامة.
- دراسة ثانية: على 20 شخصًا، قاموا بتقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة التزمت بالكيتو دايت، والمجموعة الثانية التزمت بنظام آخر. النتيجة لم تظهر فرقًا بينهم في خسارة الوزن ومقاومة الإنسولين.
- تحليل تلوي: على 48 دراسة قارنت بين العديد من الأنظمة منخفضة الكربوهيدرات وأنظمة أخرى منخفضة الدهون وعالية الكربوهيدرات، كانت النتيجة أن الفرق بسيط جدًا من ناحية خسارة الوزن، وأن الأهم لخسارة الوزن هو أن تأكل أقل من احتياجك، وأن تختار النظام الغذائي المناسب لنمط حياتك وتستطيع الاستمرار عليه.
- تحليل تلوي: قاموا بمقارنة 14 نظامًا غذائيًا مختلفًا، ومن ضمنها نظام الكيتو والأنظمة المرتفعة بالكربوهيدرات، على أكثر من 20,000 شخص. وفي النتيجة، لم يكن هناك فرق بين الأنظمة في خسارة الوزن وتحسين الصحة العامة.
الكيتو دايت والإنسولين
بعد أن رأينا أنه لا توجد فائدة إضافية للكيتو دايت من ناحية خسارة الدهون، ولكن لحظة! الكربوهيدرات ترفع الإنسولين في الدم. فإذا قطعت الكربوهيدرات، سيتوقف الإنسولين عن العمل، فسيقل تخزين الدهون، ولن يسبب لك مقاومة الإنسولين، ولن تصاب بمرض السكري. يا سلام يا سلام! لكن لا تتسرع يا صديقي.
أولًا، ليس فقط الكربوهيدرات هي ما يرفع الإنسولين، بل أيضًا البروتين والأحماض الأمينية ترفع الإنسولين (المصدر). وهذا لا يقوله أغلب مروّجي الكيتو دايت، ولا أعرف لماذا. لكن هل فعلاً إذا ارتفع هرمون الإنسولين فهذا سيسبب تخزين الدهون، وستتوقف عملية خسارة الدهون؟ لنرى هذه الدراستين:
- دراسة كانت على 609 أشخاص لمدة 12 شهرًا، وتم توزيعهم إلى مجموعتين. المجموعة الأولى اتبعت نظامًا غذائيًا غنيًا بالكربوهيدرات وقليل الدهون، والمجموعة الثانية اتبعت نظامًا غذائيًا غنيًا بالدهون وقليل الكربوهيدرات (الكيتو دايت). والنتيجة كانت أنه لم يكن هناك أي فرق بين المجموعتين في خسارة الوزن، ولم يكن هناك علاقة بإفراز الإنسولين على خسارة الوزن.
- دراسة: كان هناك 13 شخصًا أصحاء لا يعانون من مرض السكري، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين: مجموعة كانت نظامها غنيًا بالسكر، بينما المجموعة الثانية كان نظامها قليل السكر. كان الهدف هو فحص ما إذا كان هناك تأثير لنظام غذائي غني بالسكر على حساسية الإنسولين. وفي النتيجة، لم يكن هناك أي تأثير على حساسية الإنسولين أو مستويات السكر في الدم في المجموعتين.
من ناحية أخرى، ليس الإنسولين وحده هو من يقوم بتخزين الدهون في الجسم عندما تتناول أكثر من احتياجك، بل هناك أيضًا بروتين آخر يُدعى ASP (Acylation Stimulating Protein). لذلك، كما ذكرت سابقًا، فإن سبب زيادة وزنك هو أنك تتناول سعرات حرارية أكثر من احتياجك وليس بسبب زيادة الإنسولين أو الكربوهيدرات.
أمر آخر منتشر وهو أن الكربوهيدرات ترفع السكر في الدم، وهذا الأمر سيء ويجب التوقف عنه. لكن الحقيقة أن ارتفاع السكر في الدم يكون لحظيًا، ولن يسبب مشاكل لشخص لا يعاني من مرض السكري، وسيعود السكر إلى وضعه الطبيعي بعد فترة، ولن يسبب مقاومة الإنسولين أو يقلل من حساسية الإنسولين (المصدر).
الكيتو دايت والبناء العضلي؟
مع الأسف، من ناحية البناء العضلي وتحسين الأداء الرياضي، لا يُعتبر الكيتو دايت أفضل نظام (المصدر) وذلك بسبب قلة الكربوهيدرات، التي تعتبر مصدر الطاقة المفضل والأساسي للجسم. ويُعتبر إنتاج الطاقة من الكربوهيدرات أسرع من إنتاجها من الدهون.
أمر آخر هو أنه في الكيتو دايت تكون مخازن الجليكوجين (مخازن الطاقة) الموجودة في العضلات شبه خالية. عندما تكون هذه المخازن قليلة، لا يحدث أفضل استشفاء، لأن امتلاء الجليكوجين يعطي إشارات للجسم بأنه يوجد طعام كافٍ، فيستطيع أن يبدأ بمرحلة الاستشفاء. يحدث ملء الجليكوجين عندما تتناول كميات كافية من الكربوهيدرات على مدار اليوم.
هناك تحليل تلوي آخر على 17 دراسة أشار إلى أنه لم يكن هناك فرق بين المجموعة التي اتبعت الكيتو دايت والمجموعة التي اتبعت النظام العالي بالكربوهيدرات من ناحية زيادة القوة. ولكن من ناحية البناء العضلي، حصلت المجموعة التي تناولت الكربوهيدرات بكمية أعلى على حجم عضلي أكبر بشكل بسيط. والسبب، حسب الباحثين، هو أن هذه المجموعة استطاعت الوصول إلى احتياجها من السعرات، بينما كان من الصعب على مجموعة الكيتو دايت تناول كمية السعرات المطلوبة بسبب الشعور بالشبع (وهي من الإيجابيات التي سنتكلم عنها بعد قليل للكيتو).
توضيح بسيط: أنا لا أقصد أنه إذا اتبعت الكيتو دايت لن تبني العضلات؛ لا، بالطبع ستبني طالما تصل إلى احتياجك اليومي من البروتين والسعرات المطلوبة، وتراعي أساسيات التمرين. لكن القصد هو أن الكيتو لن يعطيك أقصى فائدة.
ما هي إيجابيات وسلبيات الكيتو دايت؟
الكيتو دايت، مثله مثل أي نظام آخر، له إيجابيات وسلبيات. وما ذكرته أعلاه من شرح تفصيلي مستند إلى دراسات قوية، هو فقط لإظهار أن الكيتو دايت ليس سحرًا لخسارة الدهون. ولكن، بالطبع، له إيجابيات. لنبدأ بها:
إيجابيات الكيتو دايت
1- زيادة الشبع: الكيتو دايت يساعدك على الشعور بالشبع بشكل أكبر، وذلك لأن الدهون تشعرك بالشبع أكثر من الكربوهيدرات. من ناحية أخرى، عند قطع الكربوهيدرات، ستقطع أغلب الحلويات والأكلات الإصطناعية العالية بالسعرات، والشبع منها قليل. لذلك، سيكون أغلب طعامك من مصادر صحية، وبالتأكيد ستشعر بالشبع أكثر.
2- سهولة عجز السعرات: بسبب أن أغلب الأطعمة تأتي من مصادر صحية، فمن السهل أن تلتزم بنظامك الغذائي وأن تحافظ على عجز السعرات.
سلبيات الكيتو دايت
1- صعوبة الإستمرار: بسبب أنك في الكيتو دايت ستحرم نفسك من أكلات كثيرة جدًا، سيكون من الصعب عليك الالتزام والاستمرار لفترة طويلة. لا تنسى أننا في مجتمعنا العربي، أغلب المناسبات والعزومات والجلسات العائلية وغيرها من التجمعات تكون غنية بمصادر الكربوهيدرات مثل الرز والخبز والمعكرونة والفواكه والعصائر وغيرها. لذلك، ضع هذا الأمر في الحسبان.
2- صعوبة الوصول على الفيتامينات والمعادن: هذا بسبب أن مصادر الكربوهيدرات، وخصوصًا الفواكه والخضروات، تحتوي على كمية عالية من الفيتامينات والمعادن. فعندما تقطعها، سوف يصعب عليك الحصول على احتياجك منها، لذلك قد تحتاج إلى مكملات غذائية أكثر لتعويض النقص الموجود.
3- تعب في بداية الإلتزام: مثل الدوخة والخمول، لأنك تقوم بتغيير مصادر الطاقة داخل جسمك. وهذا الأمر قد يستمر معك في أول أسبوعين من البدء في الكيتو دايت.
4- الإمساك: هذا بسبب قلة الألياف في نظامك الغذائي، فقد تسبب لك الإمساك.
5- رائحة فم كريهة، وغيرها من السلبيات.
إقرأ أيضًا: حقيقة حوارق الدهون- هل هي فعلًا مفيدة؟!
الخلاصة ورأيي الشخصي
مثلما ذكرت، الكيتو دايت لا يعطي أفضلية من ناحية خسارة الدهون. وبالنسبة لارتفاع الإنسولين، فإن الارتفاع يحدث حتى من البروتين، ولا علاقة بين زيادة الإنسولين وزيادة الوزن. أما من ناحية زيادة السكر في الدم، فإن الارتفاع يكون لحظيًا وسيعود السكر إلى وضعه الطبيعي، ولن يسبب أي مشاكل لشخص صحي ولا يعاني من مرض السكري. ومن ناحية البناء العضلي، فإن الكيتو دايت لن يعطيك أقصى بناء عضلي.
من إيجابيات الكيتو هو سهولة تحقيق عجز السعرات، وزيادة الإحساس بالشبع. أما من سلبياته فهي: صعوبة الحصول على الفيتامينات والمعادن، وصعوبة الاستمرار، ورائحة الفم الكريهة، وغيرها.
نهايةً، حسب رأيي الشخصي، إذا كان هدفك هو خسارة الدهون، فقم بالتركيز على تناول أقل من احتياجك، ولا داعي لأن تتبع الكيتو دايت، لأنه لا يوجد نظام سحري.
توضيح أخير: إذا كنت تحب الكيتو ويناسب نمط حياتك، ويساعدك على الاستمرار، فلا يوجد أي مشكلة في ذلك، لأن الأهم هو اختيار النظام الغذائي المناسب لك ولنمط حياتك. هدفي من هذا المقال هو توضيح أن الكيتو ليس سحرًا كما نرى في مواقع التواصل الاجتماعي، والتشديد على أن الكربوهيدرات ليست العدو اللدود ويجب قطعها والتخلي عنها. فقط اختر النظام الذي يناسبك والتزم به.