في الفترة الأخيرة، تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي معلومات تدعي أن الحليب هو “سم قاتل” وخطير على الصحة، ويسبب مشاكل مثل السرطان، حب الشباب، الالتهابات، هشاشة العظام، وغيرها من الأمراض.
لكن هل فعلًا هذا الكلام صحيح؟ تابع معي مقالة اليوم.
ما سبب خطورة الحليب؟
مع الأسف، يأتي الترويج لخطورة الحليب في الغالب من أشخاص يتبعون أو يسوقون للنظام النباتي. كذلك يعتبرونه خطيرًا لأن أغلب الناس لديهم حساسية من اللاكتوز. ومع تقدمك بالعمر، يقل تركيز إنزيم اللاكتيز، وهو الإنزيم المسؤول عن هضم سكر اللاكتوز (الموجود في الحليب)، مما سيسبب لك مشاكل في الهضم عند تناول الحليب ومشتقاته. كذلك من الادعاءات الأخرى أن الحليب شديد الحموضة، وهذا يسبب هشاشة العظام.
كل هذه المخاطر التي يدعيها الأشخاص الذين يرون أن الحليب ضار، وبسبب هذه الأمور، حسب رأيهم، فالحليب يسبب السرطان، وانتفاخات، ووجع بطن، والتهابات، وحب الشباب، وغيرها الكثير…
الآن، تابع معي الرد على نقاط ومخاطر الحليب. كل الردود ستكون مبنية على العلم، ودراسات قوية، وآراء خبراء، وسأضيف رأيي الشخصي في النهاية.
حساسية اللاكتوز
صحيح أنه يوجد أشخاص لديهم حساسية من اللاكتوز، وبعض الأشخاص يجدون صعوبة في تناول الحليب ومنتجاته. قد تصل نسبة الذين يعانون من حساسية اللاكتوز إلى حوالي 70% (المصدر)، ولكن ليس الجميع. أيضًا، إذا كنت تعاني من حساسية اللاكتوز، فقد تستطيع تناول حتى 250 مل من الحليب (12 جرامًا من اللاكتوز) دفعةً واحدة، وحتى 500 مل من الحليب (24 جرامًا من اللاكتوز) على مدار اليوم (المصدر).
هذا يعني أن من لديه حساسية اللاكتوز يستطيع شرب الحليب أو مشتقاته بكمية بسيطة، ولا يوجد مشكلة في ذلك. من الأفضل إذا كان لديك حساسية تجاه اللاكتوز أن تتناول الحليب مع أنواع أخرى من الطعام، لأن الأطعمة الصلبة والدهنية بشكل عام تبطئ من عملية الهضم، مما سيساعدك في تقليل احتمالية حدوث ألم في البطن، ويساعدك في دخول كمية أقل من اللاكتوز دفعةً واحدة.
نصيحة: أنصحك بالأمتناع عن الحليب ومشتقاته إذا كنت تواجه ألمًا في البطن، أو انتفاخات، أو أي مشكلة أخرى حتى عند تناول كمية بسيطة، أو يمكنك استعمال الأدوية التي ينصحك بها الطبيب والتي تساعدك في تحليل اللاكتوز.
علاقة الحليب والسرطان
من التخويفات التي نسمعها هي علاقة الحليب بالسرطان، ولكن هل هذا صحيح؟ لنرى ماذا قال العلم عن هذا الموضوع:
- تحليل تلوي: في عام 2019 على عدة دراسات، لم يروا أي علاقة ما بين الحليب ومشتقاته على سرطان الثدي.
- تحليل: في عام 2014، على 14 دراسة لفحص العلاقة بين سرطان البنكرياس والحليب ومشتقاته. وبالنتيجة لم تُلاحظ أي علاقة بين الحليب ومشتقاته وسرطان البنكرياس.
- تحليل تلوي ومراجعة منهجية: أخرى في 2019 على 29 دراسة، بهدف فحص العلاقة بين سرطان القولون والحليب ومشتقاته. وقد أظهرت النتائج أن احتمال الإصابة بسرطان القولون يقل لدى الأشخاص الذين يتناولون الحليب ومشتقاته.
- تحليل: على 13 دراسة أجريت في عام 2019، لم يتم العثور على علاقة بين تناول الحليب ومشتقاته وسرطان المثانة.
الآن بالنسبة أن الحليب يزيد بشكل مؤكد من سرطان البروستاتا،الآن، بالنسبة إلى الادعاء بأن الحليب يزيد بشكل مؤكد من خطر الإصابة بسرطان البروستاتا، فالأمر ليس بهذه البساطة. صحيح أن بعض الدراسات القليلة وجدت ارتباطًا بين الحليب وسرطان البروستاتا، لكن أولاً، الارتباط لا يعني السببية، ولا يمكننا الجزم بالأمر وكأنه مؤكد بنسبة مئة بالمئة. ثانيًا، العديد من الدراسات ضعيفة. على سبيل المثال، في هذا التحليل التلوي قالوا إن مشتقات الحليب تزيد من احتمالية سرطان البروستاتا، بينما تناول الحليب كامل الدسم بكمية 100 جرام يوميًا يقلل من احتمالية الإصابة بسرطان البروستاتا. فما هذا التناقض، رجاءً؟
سبب ربط سرطان البروستاتا بالحليب هو أن الدهون المشبعة قد تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان البروستاتا. بما أن الحليب يحتوي على الدهون المشبعة، فقد تم ربطه بالسرطان. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الحليب يسبب سرطان البروستاتا، حيث هناك العديد من الأكلات الغنية بالدهون المشبعة مثل اللحوم الحمراء وغيرها. لذلك، إذا كنت قلقًا من هذا الموضوع، تستطيع التقليل من تناول الحليب أو اختيار الحليب منخفض الدسم أو الخالي من الدسم. لكن إذا قمت بهذا التعديل، ومن ناحية أخرى زدت من استهلاك الدهون المشبعة من مصادر أخرى، فأنت لم تقم بأي تغيير فعلي هنا.
علاقة الحليب وهشاشة العظام
مع الأسف، ينتشر الادعاء بأن الحليب يسبب هشاشة العظام بسبب اعتباره شديد الحموضة. ولكن هذا الادعاء يعرف أنه خاطئ حتى من لديه أساسيات الكيمياء! بفحص بسيط على جوجل، ستجد أن درجة حموضة الحليب تتراوح بين 6.4 إلى 6.8 من أصل 14، وهذه الدرجة لا تعتبر شديدة الحموضة. الحليب يعتبر حامضًا بشكل طفيف، فدرجة الحموضة حوالي 7 تُعتبر معتدلة، وأقل من 7 تكون حامضية، وكلما انخفضت الدرجة كلما زادت الحموضة. وإذا كانت المادة تزيد عن 7 في درجة حموضتها، فهي قاعدية. لنرى الآن ماذا قالت الدراسات حول هذا الموضوع:
- تحليل تلوي: في عام 2020، على عدة دراسات أرادوا فحص العلاقة بين إستهلاك الحليب ومشتقاته وبين هشاشة العظام وزيادة خطر الإصابة بالكسور. وفي النتيجو، لم يتم رصد أي علاقة بين إستهلاك الحليب ومشتقاته وبين هشاشة العظام أو زيادة خطر الإصابة بالكسور.
- تحليل تلوي: آخر في سنة 2019 على 10 دراسات لفحص العلاقة بين تناول الحليب ومنتجاته وبين خطر الإصابة بالكسور وهشاشة العظام، ولم يتم رصد أي علاقة بينهما في النتائج.
- دراسة: أخرى أثبتت أن الحليب لا يسبب إلى زيادة حمضية الجسم.
علاقة الحليب بالموت والأمراض؟
نسمع أيضًا أن الحليب يسبب مشاكل في القلب، ويزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض والموت، وذلك بحجة أن الحليب كامل الدسم يحتوي على دهون مشبعة. ولكن الموضوع ليس بهذه البساطة كما ذكرت أعلاه. فهناك العديد من الأطعمة الأخرى التي تحتوي على دهون مشبعة، ومن الجانب الآخر، يمكنك اختيار الحليب قليل الدسم أو الخالي من الدسم لتقليل كمية الدهون المشبعة المأخوذة من الحليب. الآن لنرى ماذا تقول الدراسات.
- تحليل تلوي: في عام 2016، على 31 دراسة بهدف فحص العلاقة بين تناول الحليب ومنتجاته وبين أمراض القلب والأوعية الدموية، وأظهرت النتائج أن الحليب ومشتقاته ساهمت في خفض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
- تحليل تلوي آخر: في عام 2018 تم على 13 دراسة شملت 7680 حالة من أشخافي عام 2018، أُجري على 13 دراسة تشمل 7680 حالة من أشخاص يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية. كان هدف التحليل فحص العلاقة بين تناول الحليب كامل الدسم وخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ولم يتم رصد أي علاقة بينهما في النتائج.
علاقة الحليب وحب الشباب
البعض يقول إن الحليب يسبب حب الشباب ويعتبر ضار للبشرة، لكن الدراسات حول هذا الموضوع قليلة. ووجدت بعض الدراسات إرتباطًا بين تناول الحليب وحب الشباب، لكن الإرتباط لا يعني السببية. بمعنى آخر، ليس من المؤكد أن الحليب يسبب حب الشباب. الآن لنرى ماذا تقول الدراسات.
- تحليل تلوي: في عام 2018، على عدة دراسات، وكان هدفهم فحص العلاقة بين تناول الحليب وحب الشباب، وأظهرت النتائج وجود علاقة بين تناول الحليب وزيادة حب الشباب. ومع ذلك، لم يتم رصد أي علاقة بين تناول مشتقات الحليب مثل الجبن والزبادي وحب الشباب.
- دراسة: في عام 2024 على 49 شخص لديهم حب شباب، وقاموا بتقسيمهم لمجموعتين، مجموعة أخذت 30 جرام من مكمل الواي بروتين المصنوع من الحليب، والمجموعة الثانية أخذت مكمل ثاني غير الواي وتم منعهم من شرب الحليب، وبالنتيجة بعد 6 أشهر، لم يكن فرق بين المجموعتين بكمية أو شدة حب الشباب.
لذلك بعد أن رأينا أن الأدلة لا تثبت بشكل قطعي أن الحليب يسبب حب الشباب، فنصيحتي إذا تعاني من حب الشباب وتريد التخلص منه، فجرب قطع الحليب ورؤية هل تحسنت بشرتك أم لم تتغير.
الفائدة الوهمية لقطع الحليب
قد يخطر في بالك سؤال: لماذا يرى بعض الناس فوائد عندما يقطعون الحليب، حيث تختفي عندهم الإنتفاخات والإمساك وغيرها من الأعراض الجانبية؟ إجابتي هنا ببساطة لسببين: أولاً، أن هؤلاء الأشخاص كانت لديهم حساسية سابقة من الحليب ولم يكونوا قادرين على هضمه، وعندما قطعوا تناوله، اختفت الأعراض الجانبية التي كانوا يعانون منها.
ثانيًا: التأثير الوهمي (Placebo Effect)، والمقصود هنا أن بعض الأشخاص يسمعون أن الحليب يمكن أن يكون ضارًا من قبل مشاهير لديهم ملايين المتابعين، وبعضهم أطباء يستندون إلى دراسات ضعيفة. وبما أن العديد لا يعرفون كيفية قراءة الدراسات، فإنهم يصدقون هذه الأقوال تصديقًا تامًا. وبما أنهم يصدقون تمامًا هذه الافتراضات، يدخل ذلك في عقولهم الباطنية أن الحليب هو سبب كل هذه المشاكل. ولذا، عندما يقررون التوقف عن تناول الحليب بسبب اعتقادهم التام بأنه يسبب لهم مشاكل، يشعرون بأنهم استفادوا وتحسنت حالتهم، ولكن الحقيقة أن السبب هو تأثير وهمي. ووجود التأثير الوهمي مثبت علميًا، ويمكنكم التحقق من ذلك على الإنترنت إذا تحبون.
الآن، هناك سؤال آخر قد يطرأ على بالكم، وهو: عندما قطعت الحليب لفترة وعدت لتناوله، حصلت معي آلام بالبطن وإنتفاخات، إذًا بالتأكيد الحليب ضار! إجابتي هنا ببساطة أن هذا الأمر طبيعي، وسبب الأعراض الجانبية هو أنك قطعت الحليب لفترة طويلة، لذا جسمك لم يكن معتادًا عليه. بالتأكيد، عندما ترجع لتناول قد تظهر لديك أعراض جانبية، لكنها ستختفي بعد عدة أيام.
مثال شخصي: أنا في مرحلة التنشيف قمت بتقليل كمية المكسرات بشكل كبير، لأنها تحتوي على سعرات حرارية عالية ولا تشعرني بالشبع كثيرًا، فأحب أن أخذ سعراتي من مصادر ثانية (تفضيل شخصي مني ليس شرطًا أن تتبعه). لكن في يوم العيد، قمت بيوم مفتوح وتناولت كمية كبيرة من المكسرات، وشعرت بألم بالبطن لمدة يومين، ولكن بعدها إختفى الألم. هذا الأمر طبيعي لأنني قطعت المكسرات لفترة طويلة وعدت وتناولت كمية كبيرة، فالجسم لم يكن معتادًا على هذه الكمية، وليس لأن المكسرات ضارة أو سم قاتل.
الخلاصة ورأيي الشخصي:
بالنهاية، أتمنى أنني وضحت موضوع الحليب بقدر الإمكان. ببساطة إذا شعرت بأن الحليب يسبب لك مشاكل بالبطن أو حب الشباب، فلا مشكلة إذا جربت تقليل استهلاكه أو قطعه، ومراقبة ردة فعل جسمك والتغييرات التي تحدث لك. هدفي هنا هو أن الموضوع ليس بهذه الدرجة من التخويف الذي ينتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، كأن الحليب هو سم فعليًا، وهذا يخيف الناس ويضللهم. فإذا كان شخص ما يعاني من مشاكل اللاكتوز ولا يستطيع تناول الحليب، فذلك لا يعني أن الجميع يجب أن يقطعوا اللاكتوز معه.
أما بالنسبة لرأيي الشخصي، فأنا أتناول الحليب ومشتقاته يوميًا، ولا تسبب لي مشاكل، حتى خلال فترات التنشيف أتناول مشتقات الحليب بإنتظام ولم تسبب لي زيادة في الوزن. دائمًا تذكر أن الجرعة هي التي تحدد الضرر، فأي شيء إذا تم استهلاكه بكميات كبيرة ولفترات طويلة قد يكون مضرًا، حتى الماء!!
وتوصية أخيرة مني، دائمًا إذا رأيت أي مشهور يبالغ بتجريم منتج معين وكأنه سم وسبب كل المشاكل الموجودة في العالم، فإحذر من هذا المشهور، وقم بالتأكد من مصادره، لأنه إحتمال كبير هدفه التضليل لكسب المشاهدات، أو الترويج لمنتجاته أو الدايت الخاص به، وشكرًا لكم.
