هل السكر الأبيض سم فعلا؟ الحقيقة العلمية الكاملة عن السكر

هذه المقالة تحتوي على:

بين التهويل العلمي والواقع

لطالما وُصف السكر الأبيض في السنوات الأخيرة بأنه “السم الأبيض”، والعدو الأول للصحة، والسبب الرئيسي وراء أمراض العصر مثل السمنة، السكري، والالتهابات المزمنة. لقد أصبح من الشائع جداً سماع نصائح تدعو لقطع السكر نهائياً كشرط أساسي للحصول على جسم مثالي وصحة جيدة. ولكن، هل هذا الكلام دقيق علمياً بنسبة 100%؟ أم أنه أكبر كذبة في عالم التغذية الحديثة؟

في هذا المقال، وبناءً على أحدث الدراسات العلمية، سنضع السكر تحت المجهر لنكشف الحقائق الغائبة عن الكثيرين. سنناقش ما إذا كان السكر هو المسؤول المباشر عن مرض السكري، وهل يمنع حرق الدهون حقاً، وهل يمكن لشخص يطمح لخسارة الوزن أن يتناول الشوكولاتة والآيس كريم ويستمر في فقدان الدهون؟

تنويه هام: المعلومات الواردة في هذا المقال موجهة للأشخاص الأصحاء الذين لا يعانون من مرض السكري أو مقاومة الإنسولين مسبقاً.


السكر هو المسبب المباشر لمرض السكري

من أكثر المعتقدات رسوخاً لدى الناس هو أن تناول ملعقة من السكر أو قطعة من الحلوى يؤدي بشكل مباشر إلى الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. الحجة التي يستند إليها أصحاب هذا الرأي هي أن الأطعمة الغنية بالسكر تؤدي إلى ارتفاع حاد في هرمون الإنسولين، مما يؤثر سلباً على حساسية الإنسولين على المدى الطويل.

الحقيقة العلمية حول الإنسولين

في الواقع، وظيفة الإنسولين الطبيعية هي الارتفاع والانخفاض على مدار اليوم لتنظيم مستويات السكر في الدم ونقل المغذيات إلى الخلايا. إن اتهام السكر وحده برفع الإنسولين هو نظرة قاصرة لسببين:

  1. كمية الإنسولين المفرزة: الدراسات تشير إلى أن كمية الإنسولين التي يفرزها الجسم للتعامل مع الكربوهيدرات المعقدة (مثل الشوفان والأرز) قد توازى الكمية المفرزة للتعامل مع السكريات البسيطة. الفرق يكمن في “نمط” الإفراز؛ الكربوهيدرات المعقدة ترفع الإنسولين ببطء ولفترة أطول، بينما السكر يرفعه بسرعة ولفترة أقصر، لكن المحصلة النهائية للإنسولين في الدم قد تكون متشابهة.
  2. البروتين يرفع الإنسولين أيضاً: لا يعلم الكثيرون أن تناول وجبة غنية بالبروتين يحفز أيضاً إفراز الإنسولين، ومع ذلك لا أحد يصف البروتين بأنه سبب للسكري.

السبب الحقيقي للسكري

أكدت العديد من الدراسات أن السكر بكميات معتدلة لا علاقة له مباشرة بالإصابة بالسكري. المسبب الحقيقي هو زيادة الوزن، وتراكم الدهون، وقلة الحركة، وتناول سعرات حرارية فائضة عن الحاجة بشكل مستمر، سواء كانت هذه السعرات من السكر أو الدهون أو حتى الأكل الصحي المفرط. هذه العوامل هي التي تدمر حساسية الإنسولين وتؤدي للمرض.

هناك دراسة مثيرة للاهتمام وضحت أن مرضى السكري من النوع الثاني، عندما اتبعوا نظاماً عالياً بالكربوهيدرات وقليلاً بالدهون (مما أدى لارتفاع مستويات الإنسولين لديهم)، تحسنت لديهم حساسية الإنسولين وعولجت المشكلة، والسبب ببساطة هو أنهم خسروا وزنهم الزائد. إذن، المفتاح هو التحكم في الوزن وليس شيطنة السكر.



السكر يمنع خسارة الوزن ويسبب السمنة

“إذا أردت أن تنحف، اقطع السكر”. هذه هي النصيحة الذهبية التي يتداولها الجميع. ولكن، هل السكر بحد ذاته يحتوي على مادة سحرية تزيد الوزن؟

معادلة السعرات الحرارية

القاعدة الفيزيائية الثابتة لزيادة الوزن هي: تناول سعرات حرارية أكثر مما يحرقه الجسم لفترة طويلة. السكر هو نوع من الكربوهيدرات، والجرام الواحد منه يحتوي على 4 سعرات حرارية، تماماً مثل الشوفان أو البطاطس. إذا تناولت السكر وكنت ضمن احتياجك اليومي من السعرات، فمن المستحيل فيزيائياً أن يزيد وزنك.

ماذا تقول الدراسات؟

لإثبات ذلك، أجريت عدة دراسات قوية:

  1. دراسة الـ 6 أسابيع: تم تقسيم المشاركين لمجموعتين؛ الأولى تتناول 120 جراماً من السكر يومياً، والثانية تتناول 10 جرامات فقط. مع تساوي السعرات الحرارية بين المجموعتين، كانت النتيجة مذهلة: كلا المجموعتين خسرتا الوزن بنفس القدر وتحسنت صحتهما.
  2. المؤشر الجلايسيمي: قارنت دراسات أخرى بين أنظمة غذائية تعتمد على أطعمة ذات مؤشر جلايسيمي عالي (سكر) وأخرى منخفض، ولم تجد أي فرق يذكر في معدل خسارة الدهون طالما السعرات متساوية.

لماذا ينحف الناس عند قطع السكر؟

إذا كان السكر بريئاً، لماذا يخسر الناس الوزن فعلاً عند التوقف عنه؟ السبب ليس سحرياً. الأطعمة الغنية بالسكر (مثل الحلويات والمشروبات الغازية) تتميز بأنها عالية السعرات الحرارية وقليلة الشبع. عندما تقرر قطع السكر، فأنت تلقائياً تحذف مئات السعرات الحرارية من نظامك اليومي، وبالتالي تدخل في “عجز سعرات”، وهو ما يؤدي لنزول الوزن، وليس لأنك توقفت عن تناول مادة السكر نفسها.


السكر يسبب الالتهابات وتلف الكبد

تنتشر فيديوهات كثيرة على منصات التواصل الاجتماعي تدعي أن السكر يسبب التهابات مزمنة في الجسم ويدمر الكبد بنفس طريقة الكحول.

حقيقة الالتهابات

الارتفاع اللحظي في مؤشرات الالتهاب بعد تناول وجبة سكرية لا يعني بالضرورة التهاباً مزمناً وضاراً على المدى الطويل. لنأخذ مثالاً بسيطاً: ممارسة الرياضة. عندما تتمرن، يرتفع ضغط دمك، وتزيد نبضات قلبك، ويرتفع هرمون التوتر (الكورتيزول)، وتحدث التهابات دقيقة في العضلات. هل يعني هذا أن الرياضة مضرة؟ بالطبع لا. هذه استجابات مؤقتة تؤدي لتكيف الجسم وصحته على المدى الطويل. الأمر نفسه ينطبق على الارتفاعات اللحظية للإنسولين أو مؤشرات الالتهاب البسيطة بعد الأكل، طالما أن الشخص يحافظ على وزن صحي ونمط حياة نشط.

حقيقة تلف الكبد ودراسات الفئران

معلومة أن السكر (الفركتوز تحديداً) يدمر الكبد جاءت غالباً من دراسات أجريت على الفئران. في هذه الدراسات، تم إطعام الفئران كميات هائلة من الفركتوز تصل لـ 60% من إجمالي سعراتهم اليومية! لتحقيق هذا كإنسان، عليك تناول كميات خرافية من السكر يستحيل استهلاكها في الحياة الطبيعية. كما أن الفئران تختلف بيولوجياً عن البشر في التعامل مع السكريات. الدراسات البشرية المعتدلة لم تثبت وجود ضرر على الكبد عند تناول السكر باعتدال وضمن السعرات المحددة.


كيف تأكل السكر وتخسر الوزن؟

مشكلة الأطعمة السكرية

المشكلة الحقيقية في الأطعمة الغنية بالسكر (مثل الآيس كريم والشوكولاتة) هي “كثافة الطاقة”.

  • علبة آيس كريم صغيرة قد تحتوي على 1000 سعرة حرارية ولا تشعرك بالشبع إلا لفترة قصيرة جداً.
  • هذه الـ 1000 سعرة تعادل نصف احتياج شخص بالغ ينوي خسارة الوزن (إذا افترضنا أن سعراته 2000).
  • إذا أكلت السكر بعشوائية، ستتجاوز احتياجك من السعرات بسهولة، وهنا تحدث زيادة الوزن والمشاكل الصحية.

المرونة والتوازن

الحل ليس في الحرمان التام الذي يؤدي للانتكاس، ولا في الإفراط. الحل يكمن في التوازن الذكي أو ما يعرف بقاعدة 80/20:

  1. اجعل 80% من سعراتك اليومية تأتي من أطعمة كاملة، صحية، وغنية بالمغذيات (بروتين، خضروات، فواكه، دهون صحية، نشويات معقدة). هذا يضمن شبعك وصحتك.
  2. خصص 10% إلى 20% من سعراتك لأطعمة تحبها وتحتوي على سكر (شوكولاتة، قطعة حلوى).

مثال عملي: المدرب هادي محاميد (صاحب الفيديو) استطاع خسارة 15 كيلوجراماً من وزنه خلال 4 أشهر وهو يتناول الشوكولاتة والآيس كريم بشكل شبه يومي، وذلك لأنه كان يحسبها ضمن سعراته الحرارية ويطبق مبدأ المرونة. هذا الأسلوب يضمن لك الاستمرارية النفسية والجسدية، وهو السر الحقيقي للوصول لجسم الأحلام والحفاظ عليه.


الخاتمة

السكر ليس شيطاناً، وليس ملاكاً. هو ببساطة مصدر للطاقة. الإفراط فيه مع زيادة السعرات الحرارية وإهمال النشاط البدني هو ما يسبب الأمراض والسمنة، وليس مادة السكر بحد ذاتها.

إذا كنت شخصاً صحياً، يمكنك الاستمتاع بالسكر باعتدال ضمن نظامك الغذائي دون خوف. تذكر أن الاستدامة هي مفتاح النجاح، والنظام الغذائي الذي يحتوي على القليل من المتعة هو النظام الذي ستستطيع الالتزام به مدى الحياة.


مقالات ذات صله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *