لغز التمرين الضائع
يدخل آلاف الأشخاص إلى صالات الجيم يومياً، يلتزمون بجداولهم، يقضون الساعات، ولكن بعد مرور أشهر وسنوات، يجدون أنفسهم في نفس المكان. “الأغلب لا يتطور ولا يبني عضلات” ، والسبب في ذلك، رغم بساطته، إلا أنه يغيب عن بال الكثيرين: إنهم ببساطة لا يتمرنون بالشدة الكافية، وتمرينهم “بعيد جداً عن الفشل العضلي”.
يعتقد الكثيرون أن مجرد الحضور وأداء 3 أو 4 مجموعات لكل تمرين هو كافٍ، لكن الحقيقة أن أغلب هذه الجولات قد تكون “جولات ضائعة” أو ما يمكن تسميته بـ “الدلع العضلي”.
في هذا المقال، سنغوص في المفهوم العلمي للفشل العضلي، لماذا يسيء 90% من المتدربين تقدير قوتهم الحقيقية، وكيف يمكنك أن تضمن أن كل جولة تتمرنها هي جولة “فعالة” تبني العضلات.
ما هو الفشل العضلي؟
قبل أن نناقش المشكلة، يجب أن نوحد المصطلحات. هناك ارتباك شائع بين “الفشل العضلي” و “الإجهاد العضلي”، وكلاهما يُقاس بأدوات علمية.
تعريف الفشل العضلي
الفشل العضلي، ببساطة، هو النقطة التي “ما تقدر تسوي أي عدة إضافية بأداء صحيح”. إذا كنت تلعب تمرين البنش بريس ووصلت للعدة العاشرة، وحاولت أداء العدة الحادية عشرة ولكنك لم تستطع رفع الوزن أو انهار أداؤك، فأنت هنا وصلت للفشل العضلي.
تعريف الإجهاد العضلي
هنا يأتي المفهوم العلمي الأكثر دقة. الدراسات الحديثة تشير إلى أنك “ما تحتاج توصل للفشل العضلي” في كل جولة. يمكنك الحصول على “تقريباً نفس الفائدة” طالما أنك قريب بما فيه الكفاية. هذه “القرب” يُقاس بطريقتين:
- RIR (Reps In Reserve – العدات المتبقية): هذا هو المقياس الأهم. وهو يعني “العدات الباقية لتوصل للفشل العضلي”.
- RIR 0: يعني أنك وصلت للفشل التام (لم يتبق أي عدات).
- RIR 1: يعني أنه كان بإمكانك أداء عدة واحدة إضافية فقط.
- RIR 3: يعني أنه كان بإمكانك أداء 3 عدات إضافية. تشير الدراسات إلى أن “الحد الأقصى تقريباً” للبناء العضلي يحدث عندما يكون تمرينك في نطاق RIR 3 أو أقل (أي 3 عدات متبقية، عدتين، عدة واحدة، أو الفشل التام).
- RPE (Rate of Perceived Exertion – معدل الجهد الملموس): وهو مقياس من 1 إلى 10 لمدى صعوبة الجولة. RPE 10 يعني الفشل التام (RIR 0) ، و RPE 9 يعني (RIR 1)، وهكذا.
المشكلة على أرض الواقع: لماذا العلم لا يكفي؟
نظرياً، يبدو الأمر سهلاً: تمرن بـ RIR 3 أو أقل وستبني العضلات. لكن “على أرض الواقع كل هذا على الفاضي” لأغلب المتدربين. لماذا؟ لسببين مدمرين:
وهم الجولات الفعالة: التضليل بالهرم التدريجي
المشكلة الأولى هي أن أغلب المتدربين “بتلعب جولة واحدة من كل تمرين وفي متدربين اللي تلعب 0”. قد يبدو هذا الرقم صادماً، فكيف لشخص يلعب 4 مجموعات أن يكون قد لعب “صفر” جولة فعالة؟
الجواب يكمن في طريقة “الهرم التصاعدي” (Pyramid Sets) التي يتبعها الأغلبية :
- المجموعة الأولى: 15 عدة بوزن خفيف (RIR 10+)
- المجموعة الثانية: 12 عدة بوزن خفيف (RIR 8)
- المجموعة الثالثة: 10 عدات بوزن وسط (RIR 5)
- المجموعة الرابعة: 8 عدات بوزن ثقيل (RIR 3… ربما)
بتحليل هذا التمرين، نجد أن “أول 3 جولات بالغالب ما وصلت للفشل العضلي” أو حتى قريباً منه (ليست في نطاق RIR 3). المتدرب توقف فقط لأنه “وصل لعدد عدات معين” في رأسه. هذا يعني “بدون مبالغة أول 3 مجموعات ما إلها أي فائدة” ، إنها مجرد “دلع عضلي” وليست تحفيزاً حقيقياً.
وفي كثير من الأحيان، حتى “الجولة الرابعة ما بتكون قريبة للفشل العضلي”. والنتيجة هي “ما رح تستفيد إشي”.
سوء التقدير الكارثي: نحن لا نعرف قوتنا الحقيقية
المشكلة الثانية والأكبر هي أن “أغلب المتدربين ما تعرف تقيم الفشل العضلي“. حتى لو طلب منك المدرب أن تلعب بـ RIR 2، فأنت على الأغلب ستخطئ في التقدير.
- الدليل العلمي (دراسة Hackett et al., 2017): في دراسة شهيرة أُجريت على 81 شخصاً (رجال ونساء) لتقييم قدرتهم على تقدير الفشل العضلي، وجد الباحثون أن المشاركين كانوا “بغلطوا بتقدير الفشل العضلي بشكل عام ما بين 5 لـ 10 عدات”. هذا يعني أن المتدرب يعتقد أنه وصل للفشل (RIR 0)، بينما هو في الواقع كان (RIR 5) أو حتى (RIR 10)، وهو تمرين “بدون فائدة”.
- الدليل العملي (تجربة شخصية): يروي صاحب الاسكربت تجربة مع صديقه في تمرين (Cable Pullover)، حيث توقف الصديق عند 10 عدات (ظناً منه أنه وصل للشدة الكافية). وعندما تم تشجيعه على إكمال، “كمل لحد ما وصل 20 عدة”. تخيل أنه كان ينهي جولته وهو “بينه وبين الفشل العضلي 10 عدات”. هذا المتدرب “أكيد ما رح يشوف أي تطور”.
لهذا السبب، فإن نصيحة “العب للفشل العضلي” هي النصيحة الأفضل عملياً. لأنك كمبتدئ أو متوسط، “وحتى لما أقول هيك الأغلب ما رح يوصل للفشل العضلي الفعلي”، ولكنك على الأقل تضمن أنك دخلت في النطاق الفعال (RIR 1-3).
3 مؤشرات لتضمن أن تمرينك فعال وليس دلع عضلي
بما أننا سيئون في التقدير، كيف نتأكد أن تمريننا “صعب وقريب للفشل العضلي”؟. هناك 3 مؤشرات بصرية وحسية لا تكذب:
المؤشر الأول: سرعة العدات
“لما تمرينك يكون صعب وقريب للفشل العضلي، العدات بنهاية الجولة رح تصير أبطئ وهذا شي طبيعي جدًا”. المقاومة تبدأ بالفوز عليك. أما “لو سرعة أول عدة عندك نفس سرعة آخر عدة فبالغالب تمرينك كان سهل”.
المؤشر الثاني: هبوط العدات بين الجولات
عندما تتمرن بشدة حقيقية، ومع أوقات راحة ثابتة، فمن الطبيعي أن يتراكم التعب و “العدات تقل بين المجموعات”.
- مثال: المجموعة الأولى 10 عدات، المجموعة الثانية 9 أو 8 عدات، المجموعة الثالثة 8 أو 7 عدات.
- علامة الخطر: “إذا بكل التمارين وكل الجولات العدات ثابتة” (مثل 10، 10، 10 بنفس الوزن)، فهذا “دليل أنه تمرينك سهل وبتقدر تزيد الصعوبة شوية”.
المؤشر الثالث: التنفس ومعدل ضربات القلب
الجولة القريبة من الفشل العضلي هي جولة مرهقة للقلب والرئتين. “رح تزيد سرعة تنفسك ودقات قلبك بنهاية الجولة وهذا الإشي طبيعي”. أما “إذا سرعة النفس كانت عادية وما صارت أسرع فبالغالب تمرينك سهل”.
التوصيات العملية: كيف يجب أن أتمرن؟
بناءً على كل ما سبق، إليك التوصية العملية لكيفية تطبيق هذه المبادئ:
للمبتدئين: اذهب إلى الفشل العضلي
“إذا أنت مبتدئ بنصحك تتمرن للفشل العضلي” (RIR 0).
- الطريقة الصحيحة: بدلاً من “الهرم التصاعدي” الخاطئ، قم بعمل 1-2 جولة إحماء بوزن خفيف (لا تُحسب). ثم اختر وزناً ثقيلاً تستهدفه، وقم بأداء “كل” جولاتك (مثلاً 3 جولات) بهذا الوزن حتى الفشل العضلي. (مثال: الإحماء بـ 10 و 15 كيلو، ثم أداء 3 جولات بـ 20 كيلو حتى الفشل في كل جولة) .
للمستوى المتوسط: تحكم بالفشل
أنت الآن لديك خبرة أفضل في تقييم أدائك. “نصيحتي أنك تخلي أغلب تمارينك قريبة للفشل العضلي، فتقدر تلعب عدة أو عدتين قبل الفشل العضلي (RIR 1-2)، وآخر جولة توصل للفشل العضلي (RIR 0)”.
- نصيحة هامة: “رجاءً تأكد أنك عنجد بتوصل لقريب من الفشل فبنصحك دايمًا تصور تمارينك” لتقييم المؤشرات (مثل سرعة العدة).
للمستوى المتقدم: التدرج والتقنيات
يمكنك تطبيق نفس استراتيجية المستوى المتوسط، أو استخدام “التدرج” (Periodization). مثلاً، تبدأ الأسبوع الأول بـ RIR 3، والأسبوع الثاني RIR 2، والثالث RIR 1، والأخير RIR 0. كما يمكنك إضافة “تكنيكات تساعده يصعب التمرين مثل الدروب سيت والسوبر سيت”.
الخلاصة: توقف عن الدلع العضلي وابدأ بالبناء
الحقيقة المرة هي أن أغلب المتدربين يضيعون وقتهم في “الدلع العضلي” ، معتقدين أن مجرد إكمال الأرقام (4 مجموعات × 10 عدات) كافٍ. بناء العضلات يتطلب شدة حقيقية. يجب أن تعطي جسمك سبباً قوياً ليتغير، وهذا السبب هو “الإجهاد” القريب من الفشل.
ابدأ في مراقبة تمرينك، صور أدائك، وكن صادقاً مع نفسك. هل العدة الأخيرة كانت بنفس سرعة الأولى؟ إذا كان الجواب نعم، فأنت لم تبدأ التمرين بعد.
الفشل العضلي (RIR 0) هو النقطة التي لا يمكنك فيها أداء أي عدة إضافية بأداء صحيح. أما الإجهاد العضلي، فهو النطاق الفعال للبناء العضلي والذي يكون “قريباً” من الفشل، ويُقاس بـ RIR (العدات المتبقية)، وتحديداً “ما بين RIR 3 (3 عدات متبقية) إلى RIR 0 (الفشل)”.
السبب على الأغلب هو أنك تقع في فخ “الدلع العضلي”
. إذا كنت تستخدم نظام الهرم التصاعدي (وزن خفيف ثم متوسط ثم ثقيل)، فمن المحتمل أن أول 2-3 مجموعات تكون سهلة جداً (بعيدة عن RIR 3) ولا تحفز البناء العضلي. هذا يعني أنك في الواقع تؤدي “جولة فعالة واحدة أو حتى صفر” بدلاً من أربع.
هناك 3 مؤشرات عملية: 1) سرعة العدات: العدات الأخيرة في الجولة يجب أن تكون “أبطأ” بشكل ملحوظ من العدات الأولى. 2) هبوط العدات: يجب أن ينخفض عدد العدات التي تستطيع أداءها في كل جولة (مثال: 10، 9، 8). 3) التنفس: يجب أن تكون “سرعة تنفسك ودقات قلبك عالية” بنهاية الجولة. إذا لم تتحقق هذه المؤشرات، فتمرينك كان سهلاً.