الجدل الدائم في عالم كمال الأجسام
في عالم اللياقة البدنية وكمال الأجسام، هناك جدل لا ينتهي: هل الأفضل هو أداء التمرين بـ مدى حركي كامل أم بـ مدى حركي جزئي أو نص عدة؟. ينتشر حالياً اعتقاد بأن “النص عدة” قد تكون أفضل ، مدعوماً بمشاهدات للاعبين محترفين يرفعون أوزاناً هائلة بمدى حركي محدود.
لكن، هل هذا الاعتقاد مبني على أسس علمية أم مجرد “علم زائف” (Bro Science)؟ هذا المقال سيقدم تحليلاً مفصلاً، مستنداً إلى العلم الحديث، أحدث الدراسات، والتجارب الشخصية، لتحديد الإجابة القاطعة وتحقيق أفضل بناء عضلي وتجنب الإصابات.
ما هي العدة الكاملة وما هي النص عدة؟
قبل الغوص في الحجج، يجب أن نوحد المفاهيم:
- العدة الكاملة (Full ROM): تعني تحريك الوزن عبر المدى الحركي الكامل للمفصل، أي الانتقال من نقطة البداية (عادةً وضع الاستطالة الكاملة للعضلة) إلى نقطة النهاية (عادةً وضع الانقباض الكامل).
- النص عدة (Partial ROM): تعني أداء التمرين في جزء فقط من هذا المدى، وغالباً ما يتم تقليل المدى الحركي إلى النصف تقريباً.
ينقسم المتدربون إلى فريقين، فريق يلتزم بالعدة الكاملة، وفريق يفضل النص عدة.
النص عدة
دعنا نستمع أولاً إلى الحجج التي يقدمها مؤيدو “النص عدة”، والتي غالباً ما تستند إلى الخبرة الشخصية في الجيم.
الادعاء الأول: أوزان أثقل = بناء عضلي أكبر
الحجة الأقوى هي أن النص عدة تسمح للمتمرن بـ “حمل أوزان أعلى” بكثير من العدة الكاملة. والمنطق السائد هو أن الوزن الأثقل يعني ضغطاً أكبر، وبالتالي بناءً عضلياً أكبر.
الادعاء الثاني: ضغط مستمر على العضلة
يزعم المؤيدون أن النص عدة تبقي العضلة “تحت ضغط أكبر” (Time Under Tension)، لأنها تمنع المتمرن من الوصول إلى نقطة “الراحة” في نهاية الحركة (مثل فرد المرفق بالكامل في تمرين البنش بريس).
الادعاء الثالث: أكثر أماناً ويقلل الإصابات
يعتقد البعض أن العدة الكاملة، خاصة في نهايات المدى الحركي (مثل النزول بالكامل في السكوات)، تضع ضغطاً غير ضروري على المفاصل، وأن النص عدة هي “آمنة أكثر”.
الادعاء الرابع: جميع المحترفين يفعلونها
هذه الحجة تعتمد على الملاحظة؛ حيث يُشاهد العديد من “اللاعبين المحترفين” في فيديوهاتهم وهم يلعبون بنص عدة.
تفكيك الادعاءات بالدراسات
الآن، دعنا نفحص هذه الادعاءات الأربعة في ضوء العلم والدراسات الفسيولوجية.
خرافة الوزن الأثقل: الحجم التدريبي هو المفتاح
نعم، النص عدة تتيح لك حمل وزن أعلى، “هذا صحيح”. لكن، هل هذا يترجم إلى بناء عضلي أفضل؟ الإجابة هي: على الأغلب لا.
المحفز الأكبر للبناء العضلي هو “الحجم التدريبي” (Training Volume). وعلمياً، يُحسب الحجم التدريبي بالمعادلة التالية: الحجم = الوزن × العدات × المجموعات × المسافة (المدى الحركي).
عندما تلعب “نص عدة”، فإنك تقلل “المسافة” إلى النصف. حتى لو زدت الوزن، فإن الحجم التدريبي الإجمالي قد يقل.
- مثال توضيحي:
- عدة كاملة: 60 كيلو (بنش بريس) × 10 عدات × 4 مجموعات × 1 (مسافة كاملة) = 2400 وحدة حجم.
- نص عدة: 100 كيلو (وزن أثقل) × 10 عدات × 4 مجموعات × 0.5 (نص مسافة) = 2000 وحدة حجم.
كما يوضح المثال، على الرغم من زيادة الوزن بشكل كبير (من 60 إلى 100 كيلو)، فإن “الحجم التدريبي الإجمالي قل”. هذا يعني تفعيلاً أقل للعضلة، والأسوأ، “زيادة فرصة الإصابة” بسبب استخدام وزن يفوق قدرة المفصل على التحكم به في مدى كامل.
- دليل علمي: دراسة أجريت عام 2013 على 17 شخصاً في تمرين السكوات. تم تقسيمهم إلى مجموعتين:
- مجموعة العدة الكاملة (0 إلى 120 درجة).
- مجموعة النص عدة (0 إلى 60 درجة). النتيجة؟ على الرغم من أن مجموعة النص عدة حملت وزناً أعلى، إلا أن مجموعة “العدة الكاملة حققت بناءً عضلياً أفضل” في عضلة الرجل الأمامية.
الضغط المستمر مقابل تفعيل الألياف
دعاء “الضغط المستمر” صحيح “لحد معين”. في بعض تمارين العزل بالدمبل (مثل التفتيح بالدمبل أو الرفرفة الجانبية)، يُفقد التفعيل العضلي في أعلى نقطة (نقطة الانقباض). في هذه الحالات المحددة، من المنطقي “التوقف قبل النقطة التي ما فيها تفعيل بشوية”.
لكن، في “الأجهزة، الكوابل، وأغلب التمارين المركبة”، يكون الضغط موجوداً طوال الجولة. اللعب بمدى حركي كامل في هذه التمارين يضع العضلة تحت ضغط كافٍ يجبرها على التطور.
- دليل علمي:
- مراجعة منهجية (Meta-analysis) عام 2021 لـ 16 دراسة، خلصت إلى أن “العدة الكاملة تعطي بناء عضلي أفضل من النص عدات”.
- مراجعة أخرى عام 2020 لـ 6 دراسات، وجدت أن 4 منها فضلت العدة الكاملة، وواحدة لم تجد فرقاً، وواحدة فقط فضلت النص عدة (وكانت فقط في وضعية الاستطالة، وهو ما سنناقشه لاحقاً).
الأمان: لماذا العدة الكاملة هي الخيار الأكثر أماناً؟
الادعاء بأن النص عدة آمنة أكثر هو “إشي غلط” تماماً. عندما تلعب “عدة كاملة”، أنت “مجبر” على تقليل الوزن والتركيز في الأداء. هذا السلوك (اللعب بوزن متحكم به) هو ما “يقلل فرصة الإصابة”، ويزيد تفعيل العضلات، ويقوي المفاصل والأوتار عبر نطاق حركتها بالكامل.
- تجربة شخصية: “لما كنت ألعب نص عدة بأداء غلط بتمرين البنش بريس، كان يسببلي ألم بالمفاصل والكتف”. “بس لما خففت الوزن وركزت بالأداء (الكامل) صرت أحس بتفعيل أحسن والبناء العضلي عندي صار أفضل”.
- تجربة شخصية (الديدليفت): “كنت ألعب نص عدات وبأداء غلط، وسببلي إصابة بأسفل ظهري استمرت معي سنتين”. عندما تم التركيز على الأداء الصحيح والمدى الكامل، “قلت الأوجاع وزاد عندي الحجم العضلي”.
الأداء الخاطئ و”غرور الأوزان” هو ما يسبب الإصابات، وليس المدى الحركي الكامل.
حقيقةالمحترفين: لا للتقليد الأعمى
الادعاء بأن “كل المحترفين يلعبوا نص عدات” هو غير صحيح. هناك “كثير محترفين سابقين مثل أرنولد” ولاعبين حاليين مثل “كريس بامستيد” يهتمون بالمدى الحركي الكامل. والأهم:
- محسنات الأداء: أغلب هؤلاء اللاعبين يستخدمون محسنات أداء، ولديهم جينات ممتازة، وتغذية مثالية. لا يمكن مقارنة المتمرن الطبيعي بهم.
- الإصابات: إهمال المدى الحركي تسبب في إصابات أنهت مسيرة لاعبين كبار مثل “روني كولمان”.
- المبالغة: المحترفون يبالغون في كل شيء (مثل التمرين 5 ساعات يومياً)، فلماذا لا نقلدهم في ذلك أيضاً؟. الجواب: “لأن مستوانا بختلف عن مستواهم وهدفنا بختلف عن هدفهم”.
لا يجب أن ننسخ ما يفعله المحترفون بشكل أعمى.
الاتجاه الحديث: النص عدة بوضعية الاستطالة
في الآونة الأخيرة، ظهر اتجاه جديد يدعي أن “النص عدة بوضعية الاستطالة” هي الأفضل.
ما هي هذه التقنية وهل هي فعالة؟
“النص عدة بوضعية الاستطالة” تعني أن “تنزل نزول كامل، بس الطلوع مش كامل”. الهدف هو إبقاء العضلة تحت ضغط في أقصى وضع استطالة. وهناك “دراسات شافت أنها أحسن من المدى الحركي الكامل”.
لماذا لا تزال العدة الكاملة أفضل للمبتدئين؟
هناك عدة تحفظات على هذه التقنية:
- الموضوع لا يزال جديداً.
- أغلب الدراسات التي أثبتت فعاليتها كانت على “ناس ما بتتمرن” (غير مدربين).
- دراسات أخرى أُجريت على “ناس تتمرن” (مدربين) وجدت أن “المدى الحركي الكامل أفضل”.
- “صعب نجزم أنها احسن من المدى الحركي الكامل” حالياً.
- الأهم: هذه التقنية “تتطلب أداء صحيح وتثبيت نقطة بداية ونهاية العدة، بالضبط مثل العدة الكاملة”.
السؤال المنطقي هو: إذا كان “المبتدئ يمكن يلاقي صعوبة بتنفيذ هاي الطريقة، لأنه ما بعرف يلعب أصلًا بمدى حركي كامل”، فكيف سيطبق هذه التقنية المتقدمة بأمان؟. الغالب أنه “إذا طبقها رح يكون أدائه سيء ويزيد من فرصة الإصابات”. لذلك، الرأي الراجح هو اللعب بمدى حركي كامل وتحكم.
متى يكون المدى الحركي الجزئي مفيداً؟
العدة الكاملة هي القاعدة، ولكن هناك استثناءات قليلة يكون فيها المدى الحركي الجزئي مفيداً:
عند فقدان التوتر في نهاية الحركة
في تمارين معينة (مثل تمرين التفتيح بالدمبل)، يقل التفعيل العضلي في نهاية الحركة. هنا، يمكنك التوقف “لما يكون الدمبل على مستوى كتفك لأنه بعدها رح يقل التفعيل”.
لتجنب آلام المفاصل
إذا كان أداء المدى الحركي الكامل بنقطة معينة يسبب لك “ألم بالمفصل” (وليس ألماً عضلياً)، فالحل هو “تقليل المدى الحركي شوية للمدى اللي ما يسببلك ألم”. الأمان أولاً.
كتقنية لإنهاء الجولة
يمكن استخدام النص عدة (بوضعية الاستطالة) “بآخر عدات” في الجولة الأخيرة فقط، “لما تحب توصل للفشل العضلي الفعلي”. هذا يساعد على الوصول للفشل التام، ولكن لا يُنصح به “بكل جولة وكل تمرين” لتقليل الإجهاد.
الخلاصة: خفف والعب صح
الحكم النهائي بناءً على العلم والتجربة هو أن المدى الحركي الكامل يتفوق على “النص عدة” التقليدية في البناء العضلي والأمان. “غرور الأوزان” هو عدو التطور ويؤدي للإصابات.
النصيحة الأهم هي: “خفف (الوزن) والعب صح”. ركز على إتقان الأداء بمدى حركي كامل ومتحكم به، وستجد أن البناء العضلي والأوزان تتطور بشكل طبيعي وآمن.
لا بالضرورة. البناء العضلي يعتمد على “الحجم التدريبي” (الوزن × العدات × المجموعات × المسافة). “النص عدة” تقلل “المسافة” للنصف، مما قد يقلل الحجم التدريبي الإجمالي حتى لو كان الوزن أثقل (مثال 2000 وحدة مقابل 2400 للعدة الكاملة). كما أنها تزيد من خطر الإصابة.
العكس هو الصحيح. “العدة الكاملة”، عند أدائها بوزن مناسب وشكل صحيح، “تقلل” فرصة الإصابة وتقوي المفاصل. الألم غالباً ما ينتج عن “غرور الأوزان” والأداء الخاطئ، سواء كان بنص عدة أو عدة كاملة، كما حدث في تجارب شخصية مع البنش بريس والديدليفت.
هي تقنية حديثة تظهر نتائج واعدة، لكن الدراسات عليها لا تزال جديدة ومعظمها على غير المتمرنين. هي تتطلب أداءً دقيقاً جداً قد يكون صعباً وخطراً على المبتدئ، الذي لم يتقن العدة الكاملة بعد. للمبتدئ والمتوسط، يظل التركيز على إتقان “العدة الكاملة” بوزن متحكم به هو الخيار الأفضل والأكثر أماناً.