أيهما أفضل لخسارة الوزن؟الكيتو دايت أم النظام المتوازن

هذه المقالة تحتوي على:

فهم الجدل حول أنظمة خسارة الوزن

في السعي المستمر نحو صحة أفضل وجسم مثالي، يبرز نظام “الكيتو دايت” (Ketogenic Diet) كواحد من أكثر الحميات الغذائية رواجاً وشهرة في العالم. يعتمد هذا النظام على تقليل استهلاك الكربوهيدرات بشكل حاد (عادةً إلى أقل من 50 جراماً يومياً) وزيادة تناول الدهون الصحية، بهدف دفع الجسم إلى حالة “الكيتوزية”، حيث يبدأ بحرق الدهون كمصدر أساسي للطاقة بدلاً من الجلوكوز.

يدّعي مناصرو الكيتو أنه لا يتفوق فقط في سرعة إنقاص الوزن، بل يقدم أيضاً فوائد صحية عديدة. في المقابل، يقف “النظام الغذائي المعتدل” أو المتوازن، وهو النهج التقليدي الذي توصي به معظم الهيئات الصحية، والذي يركز على توازن المغذيات الكبرى (الكربوهيدرات، البروتين، والدهون) دون حرمان أو شيطنة مجموعة غذائية معينة.

لكن، بعيداً عن الادعاءات الرائجة، ماذا يقول العلم الحقيقي؟ هل الكيتو دايت هو الحل السحري، أم أن المبادئ الأساسية للتغذية لا تزال هي الحقيقة الأثبت؟ في هذا المقال، سنغوص في الأدلة العلمية لنقارن بين هذين النظامين بشكل موضوعي.

حجر الزاوية في خسارة الوزن

قبل الدخول في مقارنة أي نظامين، يجب أولاً ترسيخ المبدأ العلمي الأول والأهم لخسارة الوزن، وهو “عجز السعرات الحرارية”.

ببساطة، لكي يفقد الجسم وزنه (سواء من الدهون أو العضلات أو الماء)، يجب أن يستهلك سعرات حرارية أقل مما يحرق. هذا المبدأ هو الحقيقة البيولوجية التي تحكم جميع عمليات الأيض. النقطة الجوهرية هي أن أي نظام غذائي تتبعه، وتأكل فيه سعرات حرارية أقل من احتياجات جسمك اليومية، سيؤدي حتماً إلى خسارة الوزن وتحسن المؤشرات الصحية.

سواء كان هذا النظام هو الكيتو، أو نباتي، أو الصيام المتقطع، أو النظام المعتدل، فإن نجاحه في إنقاص الوزن يُعزى في المقام الأول إلى قدرته على مساعدتك في الالتزام بعجز السعرات هذا. عندما يروج داعمو الكيتو لدراسات تُظهر أن متبعيه خسروا وزناً، فهذا صحيح، ولكنه لا يثبت أن الكيتو “أفضل” من غيره، بل يثبت فقط أنه كان وسيلة فعالة لتحقيق عجز السعرات لهؤلاء الأشخاص.

الكيتو مقابل المعتدل: ماذا تقول الدراسات المُقارِنة؟

هنا يبدأ الجدال الحقيقي. غالباً ما يستشهد مناصرو الكيتو بدراسات قوية مثل التحليلات التلوية (Meta-analysis) والتجارب العشوائية المنضبطة (RCTs) لإثبات قوة نظامهم. هذه الدراسات قوية بالفعل، لكن يجب دائماً طرح السؤال الأهم: “مقارنة بماذا؟”.

إن إثبات أن مجموعة من الناس خسرت وزناً على الكيتو هو أمر. أما إثبات أنهم خسروا وزناً أكثر من مجموعة أخرى تتبع نظاماً متوازناً، مع تثبيت العامل الأهم (السعرات الحرارية)، فهو أمر مختلف تماماً.

عندما ننظر إلى الدراسات العلمية التي قارنت بشكل مباشر بين الأنظمة منخفضة الكربوهيدرات (مثل الكيتو) والأنظمة المتوازنة (منخفضة الدهون أو المعتدلة)، مع الحرص على أن تكون المجموعتان تستهلكان نفس عدد السعرات الحرارية (ما يُعرف بـ Isoenergetic diets)، فإن النتائج تكون واضحة جداً: لا يوجد فرق كبير وذو دلالة إحصائية في معدل خسارة الوزن (الدهون) بين النظامين على المدى الطويل.

الخلاصة العلمية هي أن العامل الحاسم في خسارة الدهون ليس “نوع” السعرات الحرارية (دهون أم كربوهيدرات)، بل “إجمالي” عدد السعرات الحرارية.

اقرا المزيد

تفكيك خرافة الإنسولين وزيادة الوزن

واحدة من أقوى الحجج التي يستخدمها مجتمع الكيتو هي “فرضية الإنسولين”. تقول الفرضية إن تناول الكربوهيدرات يرفع سكر الدم، مما يحفز البنكرياس على إفراز هرمون الإنسولين. وبما أن الإنسولين هو “هرمون تخزين”، فإن ارتفاعه المستمر (بسبب أكل الكربوهيدرات) يمنع الجسم من حرق الدهون ويجبره على تخزينها، مسبباً زيادة الوزن.

هذه الفرضية، رغم جاذبيتها، تم تبسيطها بشكل مخل وتجاهلت عدة حقائق علمية مثبتة:

  1. ارتفاع السكر طبيعي: بالنسبة للشخص السليم الذي لا يعاني من مرض السكري، فإن ارتفاع سكر الدم بعد تناول وجبة كربوهيدرات هو استجابة فسيولوجية طبيعية ولحظية. سيتعامل الجسم مع هذا الارتفاع بكفاءة ويعيد السكر إلى مستواه الطبيعي دون أي مشكلة.
  2. البروتين يرفع الإنسولين أيضاً: الاعتقاد بأن الكربوهيدرات وحدها هي ما يرفع الإنسولين هو اعتقاد خاطئ. فالبروتين أيضاً يحفز إفراز الإنسولين، وأحياناً بمستويات مشابهة للكربوهيدرات. هذا ينفي فكرة أن الإنسولين هو “العدو” الذي يجب تجنبه بأي ثمن.
  3. الإنسولين لا يسبب السمنة في غياب فائض السعرات: هذه هي النقطة الأهم. الإنسولين هو هرمون “بنائي” ينظم المغذيات، ولكنه لا “يخلق” دهوناً من العدم. لكي يزيد وزنك، يجب أن تستهلك سعرات حرارية أكثر مما تحرق لفترة طويلة. يمكنك تناول وجبة متوازنة تحتوي على كربوهيدرات، وسيرتفع الإنسولين، ولكن إذا كان إجمالي سعراتك اليومية لا يزال “أقل” من احتياجك (في حالة عجز)، فسيستمر جسمك في حرق الدهون المخزنة لتعويض النقص، وستخسر الوزن.

لغز “النزول السريع”: ما الذي تخسره حقاً؟

لعل النقطة الأكثر جاذبية في الكيتو دايت هي الوعد بخسارة وزن سريعة جداً في الأسبوع الأول أو الثاني. يرى الناس أرقاماً مذهلة على الميزان ويعتقدون أنهم يحرقون الدهون بمعدل خارق. لكن الحقيقة العلمية مختلفة.

هذا النزول السريع أغلبه عبارة عن ماء وليس دهوناً.

التفسير بسيط: يخزن الجسم الكربوهيدرات في الكبد والعضلات على هيئة “جليكوجين”. علمياً، كل 1 جرام من الجليكوجين المخزن يرتبط معه بحوالي 3 إلى 4 جرامات من الماء.

عندما تقطع الكربوهيدرات بشكل حاد في الكيتو، فإن أول ما يفعله الجسم هو استهلاك مخازن الجليكوجين هذه. ومع استهلاك الجليكوجين، يتم طرد كل الماء المرتبط به خارج الجسم. هذه الخسارة السريعة للماء هي ما يظهر على الميزان، وهي خسارة مؤقتة لا تعكس تغيراً حقيقياً في شكل الجسم أو نسبة الدهون.

بمجرد أن تستقر مستويات الماء، يعود معدل نزول الوزن إلى طبيعته، ليصبح معتمداً كلياً على مقدار “عجز السعرات” الذي تلتزم به، تماماً مثل أي نظام غذائي آخر.

الخلاصة: النظام الأفضل هو النظام المستدام

في نهاية المطاف، تُظهر الأدلة العلمية أن الكيتو دايت ليس “أفضل” من النظام المعتدل في خسارة الوزن عندما يتم ضبط السعرات الحرارية. كلاهما أدوات فعالة يمكن أن تؤدي إلى نتائج ممتازة.

النظام المعتدل، القائم على التوازن والمرونة، غالباً ما يكون الخيار الأسهل للالتزام به على المدى الطويل. إنه يسمح لك بتناول الطعام في المناسبات الاجتماعية، والاستمتاع بجميع مجموعات الطعام باعتدال، دون الشعور بالحرمان الشديد.

الكيتو دايت قد يكون مفيداً لبعض الحالات الصحية (مثل بعض حالات الصرع) أو لبعض الأشخاص الذين يجدون أن الشبع العالي من الدهون والبروتين يساعدهم على الالتزام بعجز السعرات.

لكن بالنسبة لغالبية الناس، فإن التركيز على المبادئ الأساسية – أكل سعرات حرارية أقل من الاحتياج، وتناول كمية كافية من البروتين، واختيار الأطعمة الكاملة – هو الطريق الأكثر استدامة وواقعية للوصول إلى الوزن المثالي والصحة الدائمة.

المصادر

مقالات ذات صله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *