حقيقة الكيتو دايت: تحليل علمي للفوائد المزعومة والأضرار الواقعية لخسارة الوزن

هذه المقالة تحتوي على:

فهم ظاهرة الكيتو دايت

اكتسب نظام الكيتو دايت (Keto Diet) شهرة واسعة في السنوات الأخيرة، حيث يتم الترويج له كحل “سحري” وفعال لخسارة الدهون بسرعة، وتحسين الصحة العامة، بل وحتى تجنب الأمراض المزمنة كالسكري وأمراض القلب. يعتمد هذا النظام الغذائي على فلسفة مختلفة جذرياً عن الأنظمة التقليدية، مما يثير الكثير من الجدل العلمي حول فعاليته الحقيقية مقارنة بادعاءاته.

لفهم حقيقة هذا النظام، من الضروري تفكيك مكوناته، وتحليل ادعاءات مروجيه في ضوء الأدلة العلمية، وموازنة إيجابياته المحتملة مقابل سلبياته وتحدياته الواقعية. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل موضوعي شامل مستند إلى المعلومات والدراسات المتاحة حول الكيتو دايت.


ما هو نظام الكيتو دايت؟

لفهم تأثير أي نظام غذائي، يجب أولاً تعريف مكوناته الأساسية والهدف من ورائها.

تقسيم المغذيات الكبرى (الماكروز)

الكيتو دايت هو نظام غذائي يتميز بانخفاض شديد في الكربوهيدرات وارتفاع كبير في الدهون. يتم تقسيم السعرات الحرارية اليومية فيه بالنسب التالية:

  • الدهون: تشكل النسبة الأكبر، حوالي 70% إلى 75% من إجمالي السعرات.
  • البروتين: يشكل نسبة معتدلة تتراوح بين 20% إلى 25%.
  • الكربوهيدرات: يتم تقليلها بشكل حاد إلى حوالي 5% فقط من إجمالي السعرات، وتأتي هذه النسبة غالباً من الخضروات والمصادر الغنية بالألياف.

آلية العمل: الدخول في الحالة الكيتوسية

الهدف الأساسي من هذا التوزيع الدقيق هو إجبار الجسم على الدخول في حالة أيضية تُعرف بـ “الكيتوسيس” (Ketosis). في هذه الحالة، وبسبب غياب الجلوكوز (الناتج عن الكربوهيدرات)، يبدأ الجسم في الاعتماد على الدهون كمصدر أساسي للطاقة بدلاً من الكربوهيدرات.

تصحيح مفهوم حرق الدهون مقابل خسارة الدهون

هنا يكمن الالتباس الأول. يعتقد الكثيرون أن “حرق الدهون” كطاقة يعني “خسارة الدهون” المخزنة. الحقيقة أن الجسم في نظام الكيتو سيحرق دهوناً أكثر، وهذا أمر طبيعي لأنه يستهلك دهوناً أكثر في نظامه الغذائي.

لكن، لكي تخسر الدهون “المخزنة” في الجسم (والتي هي الهدف الأساسي)، لا يزال المبدأ الذهبي هو الحاكم: يجب أن تستهلك سعرات حرارية أقل من احتياجك اليومي (عجز السعرات). حرق الدهون كوقود لا يعني بالضرورة خسارة الدهون المخزنة إذا لم يتحقق هذا العجز.


تفنيد الادعاءات الشائعة حول الكيتو دايت

يرتكز الترويج لنظام الكيتو على عدة نقاط تبدو جذابة، لكن الفحص العلمي لها يكشف حقائق مختلفة.

الادعاء الأول: الكيتو يسبب خسارة وزن سريعة

هذه هي النقطة الأكثر رواجاً. بالفعل، يلاحظ متبعو الكيتو نزولاً سريعاً على الميزان في الأسابيع الأولى، لكن الحقيقة أن هذا النزول السريع أغلبه من الماء وليس الدهون.

التفسير العلمي لذلك هو أن كل 1 جرام من الكربوهيدرات المخزنة في الجسم (الجليكوجين) يحبس معه حوالي 3 إلى 4 جرامات من الماء. عند قطع الكربوهيدرات بشكل حاد، يستنفد الجسم هذه المخازن، ويطرد الماء المرتبط بها، مما يؤدي إلى نزول سريع في “رقم” الميزان.

من المهم ملاحظة أن هذا الماء المفقود لا يغير من شكل الجسم بشكل ملحوظ، لأن الكربوهيدرات تُخزن بشكل أساسي في الكبد والعضلات، وليس تحت الجلد.

الادعاء الثاني: الكيتو يتفوق على الأنظمة الأخرى في خسارة الدهون

عندما نضع الكيتو في مقارنة علمية مع أنظمة أخرى متوازنة (مع تثبيت عدد السعرات الحرارية)، فإن الادعاء بالتفوق يختفي.

  • تحليل تلوي (Meta-analysis) لـ 19 دراسة: قارن بين الكيتو دايت وأنظمة متوازنة لأشخاص يعانون من السمنة والسكري من النوع الثاني (مع تساوي السعرات). النتيجة كانت عدم وجود فرق يُذكر بين المجموعتين في خسارة الوزن أو تحسن الصحة العامة.
  • تحليل تلوي لـ 48 دراسة: قارن بين أنظمة منخفضة الكربوهيدرات وأنظمة أخرى منخفضة الدهون وعالية الكربوهيدرات. النتيجة أكدت أن الفرق في خسارة الوزن كان بسيطاً، وأن العامل الأهم هو الالتزام بعجز السعرات واختيار نظام يناسب نمط حياة الفرد ويمكن الاستمرار عليه.

الادعاء الثالث: الكيتو يعالج مقاومة الإنسولين لأنه يمنع إفرازه

هناك خرافة شائعة تقول إن الكربوهيدرات هي وحدها ما يرفع الإنسولين، وقطعها يوقف إفرازه، مما يقلل تخزين الدهون ويمنع مقاومة الإنسولين. هذا الادعاء غير دقيق لسببين:

  1. البروتين يرفع الإنسولين أيضاً: ليست الكربوهيدرات وحدها، بل إن البروتين والأحماض الأمينية أيضاً تحفز إفراز الإنسولين. وهو أمر لا يذكره غالباً مروجو الكيتو.
  2. الإنسولين لا يمنع خسارة الوزن: ارتفاع الإنسولين لا يعني بالضرورة تخزين الدهون أو توقف خسارتها. دراسة مطولة (RCT) أُجريت على 609 أشخاص لمدة عام، قارنت بين نظام عالي الكربوهيدرات قليل الدهون ونظام كيتو (قليل الكربوهيدرات عالي الدهون). النتيجة: لم يكن هناك فرق في خسارة الوزن بين المجموعتين، ولم تُظهر الدراسة أي علاقة بين إفراز الإنسولين وقدرة الجسم على خسارة الوزن.

الادعاء الرابع: الكربوهيدرات ترفع السكر في الدم وهي خطيرة

هذا الادعاء يثير القلق دون داعٍ. بالنسبة للشخص السليم الذي لا يعاني من مرض السكري، فإن ارتفاع سكر الدم بعد تناول وجبة تحتوي على كربوهيدرات هو ارتفاع لحظي وطبيعي تماماً. سيعود السكر إلى وضعه الطبيعي بعد فترة، وهذا الارتفاع المؤقت لا يسبب مقاومة الإنسولين أو يقلل من حساسيتها.


تقييم موضوعي: إيجابيات وسلبيات الكيتو دايت

مثل أي نظام غذائي، يمتلك الكيتو جوانب إيجابية وأخرى سلبية يجب أخذها في الاعتبار.

الإيجابيات المحتملة

  • زيادة الشعور بالشبع: الدهون بطبيعتها تساهم في الشعور بالشبع لفترة أطول مقارنة بالكربوهيدرات.
  • تحسين جودة الطعام: عند قطع الكربوهيدرات، يتجنب الشخص تلقائياً غالبية الأطعمة المصنعة والحلويات العالية بالسعرات الحرارية والقليلة في القيمة الغذائية. الاعتماد على مصادر صحية بشكل أكبر يؤدي بطبيعة الحال إلى شبع أعلى.
  • سهولة تحقيق عجز السعرات: نتيجة للشبع العالي وتجنب الأطعمة المصنعة، قد يجد البعض أنه من الأسهل الالتزام بالنظام وتحقيق عجز السعرات المطلوب لخسارة الوزن.

السلبيات والتحديات الواقعية

  • صعوبة الاستمرار (الاستدامة): الكيتو نظام صارم جداً يتطلب حرمان أنواع كثيرة من الأطعمة. هذا يجعل الالتزام به لفترة طويلة أمراً صعباً للغاية.
  • التحدي الاجتماعي والثقافي: في المجتمعات العربية، تشكل الكربوهيدرات (مثل الأرز، الخبز، المعكرونة، الفواكه) جزءاً أساسياً من المناسبات، العزومات، والجلسات العائلية. هذا يجعل الالتزام بالكيتو تحدياً اجتماعياً كبيراً.
  • نقص الفيتامينات والمعادن: تقييد مصادر الكربوهيدرات يعني بالضرورة تقييد الفواكه وبعض الخضروات، وهي مصادر غنية بالفيتامينات والمعادن الأساسية. هذا يجعل الوصول للاحتياج اليومي منها صعباً، وقد يتطلب اللجوء إلى المكملات الغذائية لتعويض النقص.
  • الأعراض الجانبية الأولية (Keto Flu): في بداية الالتزام (أول أسبوعين)، يعاني الكثيرون من التعب، الدوخة، والخمول، وذلك نتيجة لتغيير مصدر الطاقة الأساسي في الجسم.
  • رائحة الفم الكريهة: نتيجة لإنتاج أجسام الكيتون، قد يعاني متبعو النظام من رائحة فم غير مستحبة.
  • الإمساك: بسبب الانخفاض الحاد في تناول الألياف (الموجودة بكثرة في الحبوب الكاملة والفواكه)، يصبح الإمساك مشكلة شائعة.

الخلاصة: هل الكيتو دايت هو الحل؟

بناءً على التحليل العلمي، لا يقدم الكيتو دايت أفضلية واضحة لخسارة الدهون مقارنة بالأنظمة المتوازنة عند تساوي السعرات الحرارية. كما أن الادعاءات حول خطورة الإنسولين أو ارتفاع السكر اللحظي (لغير المصابين بالسكري) هي ادعاءات مبالغ فيها أو غير دقيقة علمياً.

الرأي النهائي هو أن خسارة الدهون تعتمد بشكل أساسي على تحقيق عجز في السعرات الحرارية. ليس من الضروري اتباع الكيتو دايت لخسارة الوزن.

مع ذلك، إذا كان الشخص يفضل هذا النمط من الأكل، ويساعده على الالتزام والاستمرار، ويناسب نمط حياته، فلا مشكلة في اتباعه. الأهم دائماً هو اختيار نظام غذائي يمكن الاستمرار عليه. الهدف من هذا التحليل هو توضيح أن الكيتو ليس “نظاماً سحرياً” كما يتم تصويره على منصات التواصل الاجتماعي.


المصادر

مقالات ذات صله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *