الكرياتين بين العلم والشائعات
يُعد الكرياتين (Creatine) واحداً من أكثر المكملات الغذائية التي تحظى بشعبية هائلة في الأوساط الرياضية، ولكنه في الوقت ذاته، المكمل الأكثر تعرضاً للشائعات والمخاوف الصحية. تدور حوله قصص مرعبة تتعلق بتدمير الكلى، التسبب في الجفاف، وتساقط الشعر، مما يجعل الكثير من المبتدئين يترددون في استخدامه رغم فوائده الجمة.
في هذا المقال، سنقوم بتفنيد أشهر 5 خرافات تحيط بالكرياتين، مستندين إلى الحقائق العلمية وأحدث الدراسات، لنوضح ما هو حقيقي وما هو مجرد وهم.
ما هو الكرياتين وكيف يعمل؟
قبل الدخول في الخرافات، يجب فهم طبيعة هذه المادة. الكرياتين ليس مركباً كيميائياً دخيلاً، بل هو مركب طبيعي يوجد داخل جسم الإنسان، وتحديداً في الخلايا العضلية بصيغة “فوسفات الكرياتين”.
المصادر الطبيعية والاحتياج اليومي
يتواجد الكرياتين في الأطعمة الطبيعية مثل اللحوم الحمراء، ولكن بكميات ضئيلة جداً. للحصول على الجرعة الفعالة للرياضيين (5 جرامات)، ستحتاج لتناول ما يقارب كيلوجرام كامل من اللحم يومياً، وهو أمر غير عملي ومكلف. لذا، وُجد المكمل ليسد هذه الفجوة ويمنحك الفوائد التالية:
- زيادة القوة البدنية.
- رفع مستويات الطاقة.
- زيادة الحجم العضلي.
- دعم القدرات العقلية وصحة الدماغ.
أفضل نوع للاستخدام هو “الكرياتين مونوهيدرات” (Monohydrate)، نظراً لكونه الأرخص والأكثر خضوعاً للأبحاث التي أثبتت فعاليته.
الخرافة الأولى: الكرياتين يدمر الكلى
تعتبر هذه الشائعة الأكثر انتشاراً ورعباً. يعتقد الكثيرون أن تناول الكرياتين يرفع وظائف الكلى ويؤدي للفشل الكلوي، وغالباً ما يستند هذا الاعتقاد إلى تحاليل الدم التقليدية.
لغز ارتفاع الكرياتينين
عند إجراء فحص الدم، قد يلاحظ الرياضي ارتفاعاً في مؤشر “الكرياتينين”. الأطباء غير المختصين بالطب الرياضي قد يفسرون هذا الارتفاع على أنه خلل في الكلية. الحقيقة العلمية هي أن الكرياتينين هو ناتج طبيعي لتفكك الكرياتين في العضلات. الشخص الرياضي الذي يمتلك كتلة عضلية أكبر، أو يتناول مكمل الكرياتين، سيكون لديه طبيعياً مستويات أعلى من الكرياتينين نتيجة لزيادة المخزون وتفككه، وليس بسبب عجز الكلية عن العمل.
الطريقة الصحيحة لفحص الكلى للرياضيين
للتأكد من سلامة الكلى بعيداً عن تأثير الكرياتينين المضلل، يُنصح بإجراء تحاليل أدق مثل تحليل Cystatin C (رغم تكلفته وعدم توفره في كل مكان)، أو الاكتفاء بتحليل البول الروتيني للتأكد من عدم وجود بروتين أو شوائب. الكرياتين آمن تماماً للأشخاص الأصحاء فوق 18 عاماً.
الخرافة الثانية: الكرياتين يسبب حصى الكلى
يربط البعض بين تناول الكرياتين وتكون الحصوات، مستشهدين بتجارب فردية لأشخاص أصيبوا بها أثناء فترة التناول.
السبب الحقيقي: الجفاف
السبب العلمي الرئيسي لتكون الحصوات ليس الكرياتين بحد ذاته، بل “قلة شرب الماء”. الكرياتين يعمل بآلية سحب الماء من خارج الخلية العضلية إلى داخلها. إذا كنت تتناول المكمل ولا تزيد من كمية شرب الماء، فإنك تعرض جسمك للجفاف، وهو البيئة الخصبة لتكون الحصوات. المعادلة بسيطة: مع الكرياتين، يجب زيادة استهلاك الماء.
الخرافة الثالثة: احتباس الماء تحت الجلد
يخشى العديد من المتدربين، خاصة في فترات التنشيف، من أن الكرياتين سيجعل مظهرهم منتفخاً (Bloated) ويخفي تفاصيل العضلات بسبب احتباس السوائل.
أين يذهب الماء؟
هذا فهم خاطئ لآلية عمل الكرياتين. الكرياتين يُخزن بنسبة 95% داخل العضلات. وظيفته هي سحب الماء وإدخاله إلى داخل اللييفة العضلية وليس تحت الجلد. بما أن العضلة تتكون من حوالي 75-80% من الماء، فإن هذا الاحتباس الداخلي هو أمر إيجابي جداً؛ فهو يزيد من حجم العضلة، ويجعلها تبدو أكثر امتلاءً وصلابة. أي زيادة في الوزن على الميزان في البداية هي غالباً وزن ماء صحي داخل العضلات.
الخرافة الرابعة: يجب تناوله في أيام التمرين فقط
يعامل البعض الكرياتين معاملة مكملات الطاقة (Pre-workout)، فيتناولونه فقط قبل أو بعد التمرين، ويهملونه في أيام الراحة.
خاصية التراكم
الكرياتين لا يعمل بشكل فوري مثل الكافيين. لكي تستفيد منه، يجب أن تتشبع مخازن العضلات به تماماً، وهذا يتطلب الاستمرارية. التوقف عن تناوله في أيام الراحة يقلل من مستوياته في الجسم ويؤخر النتائج. الجرعة الصحيحة هي 5 جرام يومياً، في كل الأيام، وفي أي وقت يناسبك (صباحاً أو بعد التمرين).
الخرافة الخامسة: الكرياتين يسبب الصلع
تعد هذه الشائعة العائق الأكبر أمام الكثيرين، حيث يربطون بين الكرياتين وزيادة هرمون DHT المسبب للصلع الوراثي.
ماذا تقول الدراسات الحديثة؟
لا توجد دراسات علمية قاطعة تثبت أن الكرياتين يسبب تساقط الشعر. في دراسة حديثة أجريت في أبريل 2025، تمت مقارنة مجموعتين (مجموعة تتناول الكرياتين وأخرى تتناول دواءً وهمياً) لمدة 12 أسبوعاً، ولم يظهر أي فرق في كثافة الشعر أو سمكه بين المجموعتين. غالباً ما يكون التساقط ناتجاً عن عوامل أخرى تزامنت مع تناول المكمل، مثل نقص الفيتامينات، قلة البروتين، أو الضغط النفسي وقلة النوم.
الخلاصة
الكرياتين هو مكمل آمن، فعال، وغير مكلف، وشائعات ضرره بالكلى أو الشعر لا تستند إلى أدلة قوية لدى الأشخاص الأصحاء. ومع ذلك، يجب التذكير بأن المكملات الغذائية هي “عوامل مساعدة” فقط. إذا كان نظامك الغذائي عشوائياً، وتمرينك غير فعال، ونومك مضطرب، فلن يصنع الكرياتين المعجزات. الأساس هو ضبط نمط الحياة أولاً، ثم استخدام المكملات لتحسين النتائج.
لا يوجد دليل علمي يوجب إيقاف الكرياتين بعد فترة معينة. يمكن استخدامه بشكل مستمر طالما أن الشخص بصحة جيدة ولا يعاني من مشاكل في الكلى، فالاستمرارية تضمن بقاء مخازن العضلات ممتلئة.
نعم، قد يلاحظ المستخدم زيادة طفيفة في الوزن في الأسابيع الأولى، ولكن هذه الزيادة ناتجة عن احتباس السوائل داخل العضلات، وهو أمر صحي ومفيد للشكل العضلي والأداء، وليست زيادة في الدهون.
الجرعة الموصى بها هي 5 جرام يومياً. فترة التحميل (تناول 20 جرام لمدة أسبوع) ليست ضرورية، ويمكن الاكتفاء بالجرعة الثابتة (5 جرام) وسيصل الجسم لمرحلة التشبع خلال 3-4 أسابيع.